من 0 إلى 3 سنوات

كيف ترافق طفلك في تطوره اللغوي ؟

هل تأملت يوما في مدى مهارة الطفل في تعلمه للغة ؟ تتساءل كيف يتمكن من ذلك بتلك السهولة و المرونة و كيف يمكنك مساعدته بأفضل طريقة ؟ و ما هي العوائق التي من الممكن أن تعترضه في هذه الرحلة؟

في هذا المقال سنتعرف على مجموعة من الملكات التي يمتلكها الطفل و التي تسهل عليه هذا التطور العظيم الذي يحدث بين الصفر و الست سنوات من رضيع لا يفتح قبضته إلى إنسان متطور على جميع النواحي.

العقل الماص وكيف يتعلم الطفل

يتمتع الرضيع بخاصية فريدة تسمى العقل الماص، و هو نوع مميز من الذكاء على مستوى اللاوعي. وأتكلم هنا عن اللاوعي لأن العقل الماص يمكن الطفل من تعلم كل شيء دون أدنى مجهود مبذول من طرفه أو إرادة مباشرة.

انتبه معي للفرق بين البالغ و الطفل, ما يتعلمه الطفل بفضل عقله الماص هو تلقائي جدا, يمر عبر امتصاص نفسي للمحيط, أما أنت و أنا, للأسف يلزمنا وقت طويل و مجهود كبير من أجل تلقن مهارات جديدة. هذه الخاصية التي أتكلم عنها تخص فقط الأطفال من الصفر إلى الست سنوات.

من مكونات العقل الماص، يوجد ما يسمى بالمتحكم الداخلي، و هو برمجة داخلية تجعل كل طفل ،حسب شخصيته المنفردة و خصوصياته النفسية, يعرف ما هو جيد بالنسبة له من احتياجات أساسية و إيقاع تطوري. لذا فالأطفال لا يتطورون بنفس الوثيرة، كل يتوجه إلى ما يلائمه في الوقت المناسب حسب تطلباته النفسية.

تعلم الطفل للغة دون حاجة لدروس تعليمية منظمة

بعدما تعرفت قليلا عن خاصية العقل الماص, لاحظ معي كيف يُمَكِّن ذلك الطفل من امتصاص اللغة الآدمية بكل تلقائية, الطفل لا يولد لا عربيا و لا هنديا, لكنه يصبح متقنا للغة التي يجدها في محيطه دون أي مجهود, بل إنه يمتص حتى كيفية الصرف في اللغة  دون الحاجة لدروس في القواعد. هو مبرمج من أجل ذلك.

بالإضافة لهذا, تكلم ماريو ابن ماريا مونتيسوري في الكتاب الذي نقله عن أمه بعد موتها, عن النزعات الإنسانية, و هي إدارة داخلية توجه الإنسان و تجعله في تطور مستمر, تتمثل هذه النزعات في مجموعة من الجوانب من بينها اللغة و التخاطب. حيث أننا موجهين تلقائيا لتطوير قاموسنا و طرق تخاطبنا كل يوم و طيلة حياتنا.

ولهذا فإننا محتاجين منذ بداية حياتنا لمحيط يوفر لنا قاموسا لغويا ثريا جدا و تواصلا اجتماعيا مستمرا.

لغة الرضع عائق لتعلم اللغة

لا أعلم إن كنت قد شرحت الدرس النفسي الفلسفي الغير اللطيف أعلاه بطريقة واضحة، لكن إن كان الأمر كذلك فإني أظن أنك استطعت أن تكون فكرة واضحة عن السبب الذي يدعونا لتجنب التكلم مع الطفل الصغير العمر بكلمات مختصرة مُخترَعة من أجل الرضع لتسهيل التواصل معهم.

التحدي الذي يوجد في موضوع استيعاب اللغة هو أن يربط الطفل بين الكلمة و معناها، إن تمكن من ذلك، فلا يهم إن كانت الكلمة مكونة من حرفين مكررين أو ثمانية أحرف مختلفة، قدرته على امتصاصها هي أكبر بكثير من قدرتك على حفظ كلمة طويلة جديدة عليك.

لكن الذي يجعلنا ننظر للأمر على أنه صعب عليه هو عدم تمكنه من النطق بطريقة صحيحة و هذا يدفعنا لتعليمه كلمات سهلة النطق حتى يتمكن من التعبير عما يريد, و مع أن ذلك يبدو منطقيا إلا أنه لا يساهم في تطور الطفل على المستوى اللغوي بالطريقة السليمة.

كما قلت إن كان لا ينطق اليوم, أو لا يجيد الكلام كما يجب, لا بأس المهم هو إثراء رصيده في مرحلة النمو الأولى, و سوف يخرجه كاملا و يبدأ في هضمه و تقويته خلال مرحلة التطور الثانية من 3 إلى 6 ( أو بعد السنتين بقليل). خاصة و أنه خلال هذه المرحلة الثانية يصبح إنسانا محتاجا للدخول في الحياة الاجتماعية و بالتالي يحتاج لأن يكون قاموسه مهيأ و واضحا بالنسبة له حتى يَفهم و يُفهم.

الفترات الحساسة و التطور اللغوي

أخيرا شيء سبق أن سمعتَ عنه.

الفترات الحساسة كما تعرف على الأغلب هي مراحل يمر عبرها الطفل من حساسية زائدة نحو أمر ما و حاجة ملحة لتعلمه و تطويره لديه.

الفترة الحساسة المتعلقة باللغة هي الأطول حيث تتكرر مع الطفل من مرحلة الصفر إلى ما بعد الست سنوات.

وأريد أن أشير بين السطور إلى أن اللغة المكتسبة تندرج تحتها اللغة المنطوقة و حتى لغة الجسد و الإيماءات و الإشارات.

من أهم ما يساعد الطفل من إشباع هذه المرحلة الحساسة هو انتباهه للغة مخاطبيه، و أيضا تقليده لهم بفعل العصبونات المسماة بالمرآة, و التي تجعل المرء يقلد ما يسمع و يرى بطريقة لا واعية.

هل أحسست بمدى أهمية أن يكون كلامك مع أطفالك غنيا و منوعا ؟

ليس بعد ؟ أنا أيضا لم أكمل بعد سأقنعك لا محالة.

تمييز الطفل للغته الأم 

كما قلت سابقا بفضل اتصال الطفل مع المحيط يطور لغته, في بداية حياته هو يمتلك أذنا مطلقة تستقبل جميل لغات العالم, و ابتداءا من حوالي الثمان شهور يبدأ في التركيز على لغة محيطه التي تصبح لغته الأم و يلغي ما عداها, أي أن الطفل في محيط عربي إن سمع بالصدفة كلاما صينيا فدماغه لا يتعامل معه.

ثم إن عمل عصبونات المرآة يبدأ مبكرا حيث أن الرضيع يبدأ بعد أسابيع من ولادته في مراقبة من يتكلمون معه و يشرع في تقليد حركات أفواههم و إصدار أصوات مثل “أوه” “آه”

عجيب كيف أن استقطاب الطفل للغة يبدأ مبكرا أبكر مما كنا نتوقع !

و لا يفوتني أن أؤكد أن الرضيع يحتاج منا أن نتكلم معه عن قرب على مسافة تسمح له برؤية فمنا بوضوح، و أن نتكلم معه بطريقة تثيره.و لقد تبث أن الأطفال الرضع يتفاعلون أكثر مع طريقة الكلام الإيقاعية البطيئة التي تعودنا أن نتكلم بها مع الرضع بتلقائية, أكثر من الطريقة العادية التي نتكلم بها مع بعضنا. فسبحان الله كيف هدانا بالضبط لما يحتاجه الرضيع منا.

استغلال الفترات الحساسة لتطوير القاموس اللغوي

بالملاحظة و مراقبة الطفل, يمكننا أن نعرف أنه يمر بفترة حساسة لغوية, قد يصبح كثير السؤال عن معنى كلمات, عن أسماء الأشياء, يعيد ما نقوله, ينفجر فجأة تعبيره و قاموسه اللغوي…

كما سبق و أشرت تقديم تواصل دائم و حوار غني ذو جودة و متنوع هو المحفز و المساعد الأول الذي سيشبع احتياج الطفل.

و من الأنشطة المساعدة التي يمكننا اقتراحها حسب العمر:

  • تقديم و قراءة كتب أطفال بسيطة بصور ذات جودة جيدة, تتكلم عن الطبيعة أو الحياة اليومية للإنسان, تصور الحيوانات على طبيعتها, ربما كتب ملموسة أيضا. لكن نتجنب أي كتاب أو قصة خيالية تقدم أي مفهوم غير موجود في الحياة الحقيقية, كالتماسيح المتكلمة أو السيارات الضاحكة أو المخلوقات الخيالية. و ذلك لأن الطفل أولا لا يميز بين ما هو حقيقي و خيال, و ثانيا لأن الغرض هو إثراء وعيه بالكون حوله.
  • تقديم سلات من الأغراض الصغيرة للطفل مصنفة حسب النوع أو الشكل و تسمية كل غرض فيها.
  • تقديم بطاقات مصورة مع تسمية ما فيها, و الأمثل إن قدمنا الصورة مع مجسم صغير لما فيها.
  • طرح أسئلة مفتوحة على الطفل بخصوص صورة أو غرض من أجل تشجيعه على التعبير و استعمال كلمات متنوعة.
  • الإستماع الجيد للطفل من مستوى مباشر له حيث يمكنه أن يرى فمنا و تعبيراتنا. عدم التكلم بسرعة و إعادة صياغة الجمل التي يحاول تركيبها, هذا التواصل يشجع الطفل على التحدث و التعبير أكثر.

 معيقات التطور اللغوي عند الطفل

المصاصة

كما لاحظت فيما ذكرنا أعلاه, جزء كبير من اكتساب اللغة عند الطفل يتم بواسطة التقليد و بفضل عمل العصبونات المرآة, و هذا منذ وقت مبكر بعد أسابيعقليلة من ولادته, و بالتالي فإن وجود مصاصة في فم الطفل طيلة الوقت يؤثر على تطويره لهذا الجانب, بل و يقول بعض الباحثون أن الطفل الذي يضع مصاصة طيلة الوقت في فمه يعتقد سريعا أنها جزء من جسمه.

لهذا أنصح إن كان لا بد من الإستعانة بها أن لا يتم استعمالها إلا لمساعدة الطفل على النوم ثم سحبها منه فيما بعد.

اللغة المبسطة للرضع

ذكرت هذه النقطة فيما قبل, يحتاج الطفل أن نقدم له أرضية واسعة من المصطلحات المختلفة, أن نحاول إثراء رصيده, لا أن نختصره في كلمات سهلة ,محدودة و مكررة مثل نيني و تيتي و مومو … الذي يجعله يفهم هذا سيجعله يفهم نم و اجلس و كل…

حسنا لكن ما الضير إن استعملناها ؟ لا ضير غير أننا كما قلت لن نقدم له ما يحتاجه, اللغة الحقيقية التي توجد في محيطيه. هو في مرحلة تعلم فلماذا نجعله يتعلم الكلمة على مرحلتين, الأولى فقط ليستعملها في هذا العمر ثم بعد ذلك يتوجب عليه أن يتخلى عنها و يبدأ من جديد في تعلم القاموس الجديد.

بالإضافة إلى أن الفترات الحساسة حين لا يتم استغلالها بالطريقة الأفضل و التي خلالها تتم عملية التعلم بطريقة أكثر من مثالية, فإن المجهود الذي يبدله الطفل فيما بعد من أجل نفس الشيء يكون مضاعفا و أكثر صعوبة.

الشاشات

الشاشات أيضا من أول أعداء التطور اللغوي الطبيعي عند الطفل, هذا الأخير يجب أن يدخل باستمرار في تواصل مع أشخاص حقيقيين, أن يرى تعبيراتهم و يستمع للغة التي يتكلمون بها و تغير حدتهم في التعبير عبر المواقف و يدخل معهم في تفاعلات مستمرة.

الشاشات تهدم كل هذا, إيقاع مرور المعلوات الكثيرة عال بالنسبة له, المؤثرات الصوتية و الموسيقى و الألوان و سرعة مرور الصور, كل هذا يجعله لا يركز مع أي شيء, لا يستطيع تلقي اللغة بطريقة فعالة, و يبقى في حالة اندهاش و سكون دون أي تفاعل.

خلاصة

الطفل مزود إلاهيا بكل ما يحتاجه لكي يأخذ أفضل ما يلزمه من هذا العالم, إمكانيات هائلة تحتاج فقط ثقة من طرف المحيطين.

ليس عليك إلا أن تكون حاضرا و متواصلا مع طفلك, على الفطرة, لا يتطلب الأمر شيئا خارقا, اتصال من القلب إلى القلب و من العقل إلى العقل.

٪ تعليقات

اترك تعليقا