تتطلب عملية الرضاعة منك سيدتي الأم أن تكوني مطلعة على مجموعة من المعلومات التقنية و العلمية. لأن ذلك من شأنه أن يسهل عليك الكثير من الأمور.
هدفي هو أن تتمكني من تجاوز مجموعة من الأخطاء التي على بساطتها, تؤدي إلى تأثر عملية إرضاعك لطفلك و نجاحك فيها.
تحس العديد من الأمهات بالضعف و التأنيب لأنهن لم يستطعن أن يكملوا رضاعة أبنائهن, خاصة إن كن أمهات عاملات, و الحقيقة أنهن يمتلكن القدرة الكاملة لكن فقط,غفلتهم عن بعض الأمور هي السبب.
فتعالي معي سيدتي لأزودك في هذا المقال بمجموعة من المعلومات الأساسية و البديهية التي يجب على كل مرضع أن تكون على اطلاع عليها من أجل أمومة واعية و ذكية.
كيف تتم عملية افراز الحليب :
بعد ولادة الأم للطفل مباشرة, يصبح هرمون البرولاكتين حاضرا بقوة في جسمها, و هذا الهرمون هو المادة الأساسية المسؤولة عن صنع الحليب في الثدي, بالإضافة إلى هرمون الأوكسيتوسين الذي يتدخل في العملية أيضا بشكل مباشر.
كل ما بدأ الطفل بمص الثدي، يصدر دماغ الأم الأمر لإفراز هرموني البرولاكتين و الأوكسيتوسين.
يعمل هرمون البرولاكتين على تحفيز صنع الحليب داخل الحويصلات المتواجدة في ثدي الأم (َalveoli cells)
بعد ذلك يعمل هرمون الأوكسيتوسين على عملية تحرير الحليب المصنوع, من الحويصلات نحو قنوات الحليب (milk duct), التي توصله للخارج عبر فتحات الثدي.
من تحكم هرموني إلي تحكم ذاتي:
لمدة أسابيع عدة، يختلف عددها من أم لأخرى، تكون الهرمونات، وأساسا البرولاكتين الذي يصبح حاضرا بقوة في جسمها، هي المتحكم الأول في إدارة إدرار الحليب، ولهذا فإن المرأة المرضع تجد نفسها أمام العديد من الظواهر، مثل امتلاء وتحجر الثديين، تدفق دائم للحليب خارج عملية الرضاعة. تدفق الحليب عند سماع الأم لبكاء الرضيع أو عند الأوقات التي اعتادت أن ترضع فيها حتى وإن كان الطفل بعيدا.. وغيرها من الحالات.
هذا قد يكون مزعجا لبعض الأمهات، لكنه أيضا مريح للبعض الآخر حيث أنهن يحسون بالطمأنينة عندما يرون توفر الحليب لطفلهن بشكل مرئي ومحسوس.
لكن بعد هذه الفترة، تصبح عملية إنتاج الحليب ذاتية على مستوى الثدي، أي أن الثدي يصبح هو المتحكم في وقت وكمية الإنتاج، حيث أن الحويصلات تمتلئ وتنتظر أن يتم إفراغها عند بدء عملية المص حتى تشرع على الفور في تصنيع الحليب، مما يعني أن عملية الإنتاج لا تحصل إلا أثناء الإرضاع، كما أن الثدي يرجع مرنا وعاديا.
وهنا للأسف نظرا لعدم فهم الأم ما يحدث تبدأ في طرح الكثير من الأسئلة وتظن أن حليبها لم يعد كافيا لسد حاجيات طفلها الغذائية.
هذا ما يحدث بصفة عامة، وتبقى كل امرأة مختلفة من حيث توازنها الهرموني وكمية تخزين الحليب لديها وتعاملها مع الضغوطات الخارجية
لماذا يجب علي أن أعرف كيف يتم تصنيع الحليب في جسمي؟
نسمع الكثير من المعلومات الغريبة بخصوص الإرضاع. وعندما نفهم كيفية إنتاج وتعامل الجسم مع الحليب سنستطيع التمييز بين المعلومات الصحيحة والمغلوطة.
فكما رأينا قد تظن المرأة أو من حولها أن إدرارها للحليب جيد جدا أو غير كاف حسب المرحلة التي تمر بها الرضاعة.
و غيرها من الأمور كثيرة, فقد سمعت مرارا على سبيل المثال من يقول للأم، إن كنت سترضعين الطفل وأنت غاضبة متوترة حزينة وفي حالة نفسية سيئة فإنك – بالتعبير الحرفي – “ترضعينه أعصابا” بمعنى أن كل ذلك يمر له عبر الحليب، وأنه في هذه الحالة من الأفضل أن تطعميه حليبا صناعيا.
ورغم أن الأمر فيه قليل من الحقيقة، فإن النصيحة المترتبة عنه مؤسفة. تعال لنحلل الأمر معا.
الأوكسيتوسين هو هرمون السعادة الفرح الاسترخاء النشوة الحب الراحة والطمأنينة.
وبالتالي فإن الأم عندما تكون في حالة نفسية غير جيدة فإن ذلك حتما يؤثر على إفراز هذا الهرمون في جسمها.
الحليب ينتج داخل الحويصلات دون تدخل من هذا الأخير، لكن تحريره من الحويصلات هو الذي سيتأثر، لذلك تنصح الأم بأن تحاول أن تكون مسترخية عند الإرضاع، وأن تحاول قدر الإمكان الابتعاد عن القلق والتوتر، وأن تقوم مثلا بعملية تنفس عميق.
وبهذا فإننا لا نستطيع القول بأن تقديم الحليب الصناعي أفضل في هذه الحالة، حليب الأم يبقى هو الأمثل في جميع الحالات والأقرب لاحتياجات الرضيع الغذائية والتطورية والنفسية.
مغص الأمعاء وحليب الأم :
يعتقد الكثيرون أن مغص الرضع له علاقة مباشرة بحليب الأم و ما تتناوله, و الحقيقة غير ذلك. ما زالت الدراسات لم تتبث أن هناك سبب مباشر قطعي وراء مغص الأطفال, و عَزَت الأمر لمجموعة من العوامل ,البعص يعتبر أنها ناتجة عن اضطراب في الجهاز الهضمي و البعض يرشح أسبابا عصبية أو نفسية اجتماعية .
أيا كان الأمر فالرضاعة الطبيعية ليست سببا مباشرا لمغص الرضع بل على العكس قد تبين أن أدوية بروبيوتيكية أعطت نتائج جيدة مع الأطفال الذين يتناولون حصريا حليب الأم على خلاف غيرهم.
الرضاعة الليلية؟
كما ذكرت في المقال “كيف أرضع طفلي“, من المهم أن ترضعي طفلك ليلاً لأن هذا هو الوقت الذي تفرزين فيه هرمونات البرولاكتين التي تعمل على بناء إنتاجية الحليب لديك.
ولذا ينصح بعدم الشروع في الفطام الليلي قبل أن يكمل الرضيع سنته الأولى التي يعتبر خلالها الحليب هو غذاؤه الأساسي.
حالات متعددة
الرضاعة خلال طفرات النمو
هناك فترات حرجة تمر خلال نمو الطفل، يشرحها الكتاب الألماني الأصل “الأسابيع الرائعة” بأنها قفزات دماغية يكبر فيها دماغ الرضيع ويكتسب مجموعة من المؤهلات العقلية التي تمكنه من تعلم مهارات جديدة.
يكون الطفل خلال هذه الفترات بمزاج غير جيد، كثير البكاء، قليل النوم، يحتاج أن يبقى طوال الوقت مع شخص بالغ أو ملتصقا بالأم خاصة.
يرافق هذه الفترات التصاق الرضيع بثدي أمه، ليس فقط من أجل الغذاء بل أيضا بحثا عن الطمأنينة والترويح.
خلال هذه الفترات قد تحس الأم أن ثدييها فارغين وأن طفلها يريد أن يرضع أكثر من السابق و على فترات متقاربة, فتظن أن المشكل هو في كمية الحليب التي لا تكفيه وأنه لا يشبع، لكن ذلك غير صحيح إحساس الثدي الفارغ هو راجع فقط لتردد الرضيع على الرضاعة كثيرا وليس العكس.
الرضاعة والعمل
بالرغم من ان الجدل كثير حول موضوع استخراج حليب الأم من الثدي وحفظه في الثلاجة، إلا أن الأمر علميا لا يشكل أية مشكلة على الإطلاق.
حليبك سيدتي، يحتوي على مضادات أكسدة ومضادات بكتيريا تمكنه من المقاومة والحفاظ على أغلب خاصياته المغذية للطفل، وبالرغم من أنه يفقد القليل منها فهو مع ذلك يبقى الأنسب والأقرب لحاجيات طفلك، والأفضل من أي بديل صناعي.
لذا لا تتخوفي أيتها الأم وإن كنت قد قررت تغذية رضيعك بالطريقة الأمثل، فإن العلم اليوم مكنك من متابعة رضاعتك الطبيعية حتى بعد عودتك للعمل.
وإن كان هناك شيء أريد أن أهمس به في أذنك في هذا الخصوص، فهو أن تعرفي عزيزتي أن القضية لا تتطلب قوى خارقة أو شخصا ذا قدرات غير عادية، أنت أيضا بإمكانك إنجاح الأمر مثل كل الأمهات اللواتي نجحن، وعددهن ليس بالقليل أبدا.
لن أقول أيضا أنه بتلك السهولة فما أبسط أن تشتري علبة تحضيرات مجففة وتكلفي من يهتم بطفلك بخلطها وإطعامه، لكن الأمر ممكن ومقدور عليه بعزيمة قوية ورؤية واضحة للهدف من وراء مجهودك هذا.
حينما يبلغ صغيرك 6 أسابيع، ابدئي باستخراج حليبك وتقديمه له في زجاجة الرضاعة مرة واحدة في اليوم ليتعود تدريجيا على أخذها، حددت لك هذا العمر لأنه هو العمر الأقل المنصوح به لاقتراح الزجاجة والمصاصة على الرضيع حتى لا نسقط في مشكلة نفوره من الرضاعة من الثدي التي تتطلب منه مجهودا.
لكن لا تتوتري إن رفض الطفل أخذ الزجاجة خلال هذه الفترة، وهذا ما يحدث في أغلب الأحيان، لأنه أيضا لن يفهم لماذا عليه أن يتناول حليبه بطريقة مختلفة والمصدر الأساسي معه، لذلك حاولي أن لا تجبريه تماما.
عندما تذهبين للعمل ويكون الطفل في رعاية شخص آخر سوف يبدأ في تقبل الأمر وأخذ الحليب. حتى الأطفال الذين لا يتغذون إلا عن طريق الزجاجة يحدث أن يرفضوا أخذها عندما تقدم لهم من طرف شخص مختلف في مكان مختلف غريب عنه، فالجميع يحتاج لفترة تأقلم على الأوضاع الجديدة.
بعد استئناف العمل، ما إن تعودي للمنزل احرصي على تقديم الثدي لطفلك كلما طلب وطيلة أيام العطل، وأيضا قبل مغادرة المنزل في الصباح. هذا سيعمل على الحفاظ على وتيرة إنتاجيتك للحليب، وأيضا يمكن الطفل من التفريق بين الوقت الذي يمكنه فيه أن يرضع مباشرة من الثدي عندما تكون أمي حاضرة معي، ووقت الزجاجة حين لا تكون أمي معي.
ثم آخر شيء, فكري مسبقا كيف يمكنك استخراج الحليب خلال استراحات العمل, وأين يمكنك القيام بذلك, و كيف يمكنك الاحتفاظ به باردا إلى حين وصولك للمنزل.
استخراج الحليب و تخزينه
الكثير من الأمهات تفضل ألا يأخذ رضيعها حليبا آخر غير حليب ثديها، خاصة وأن الأمر مقدور عليه اليوم مع كل الآلات التي تم اختراعها. وقد تبث أن الأمهات اللواتي اخترن أن يستخرجن حليبهن لتقديمه للطفل عند غيابهن، يتمكنون من إرضاع الطفل لفترة أطول من اللواتي لا يقمن باستخراجه.
في الحقيقة آلات استخراج الحليب من الثدي ليست فعلا ضرورة قصوى، لأنه إن تعذر الحصول عليه فيمكن القيام بذلك باليدين فقط بتعلم الطريقة الصحيحة.
لكن لتسهيل العملية وتوفير الكثير من الجهد والوقت، فإني أنصحك سيدتي بشدة باقتناء مضخة الحليب سواء يدوية أو كهربائية فذلك سوف ييسر عليك المهمة.
ابحثي عن علامة تجارية معروفة، فبالرغم من أن ثمنها قد يكون مرتفعا، إلا أن جودتها عالية وسوف تكونين متأكدة من أنها سترافقك طوال سنتي الرضاعة، و شخصيا حدث معي شخصيا أن اخترت أن أقتني مضخة لعلامة غير معروفة في البداية، لكنها لم تصبر أكثر من أربعة أشهر ووجدت نفسي مضطرة لشراء مضخة أخرى.
قد صادفت بضع مقالات تدعي أن استعمال مضخة الحليب له تأثيرات سلبية على الثدي والحليب وعلاقة الطفل والأم، وإني لأجدها مقالات بتراء لا أساس لها من الصحة ولم أجد مصدرا موثوقا يتكلم عن تلك المساوئ. حسب رأيي الشخصي والصريح، أظنها فقط مقالات مدعومة من طرف لوبيات صناعة الحليب الصناعي.
صلاحية الحليب المستخرج :
– في درجة حرارة الغرفة (19 إلى 22 درجة) ، من 4 إلى 6 ساعات (بحد أقصى 8 ساعات)
– عند 15 درجة ، 24 ساعة
– في الثلاجة (0 إلى 4 درجة) حتى 8 أيام .
– في الحجرة المجمدة في الثلاجة ، من 3 إلى 4 أشهر.
– في مجمد منفصل (-18 درجة) لأكثر من ستة أشهر.
خلاصة :
في الختام أريدك عزيزتي أن تتذكري شيئا واحدا, أنت قوية كفاية للمضي في التجربة بكل نجاح, و جسدك كما استطاع تغذية طفلك أثناء الحمل و توفير كل ما يحتاجه حتى يتكون, فإنه قادر على توفير الغذاء له حتى بعد الولادة, إلا في الحالات القصوى الإستثنائية, و هذه الأخيرة تبقى فعلا نادرة.