العالم المونتسوري من 0 إلى 3 سنوات

مونتسوري و محيط الطفل في فئته العمرية الأولى

في الثلاث سنوات الأولى من عمر الطفل تكون وتيرة تطوره سريعة جدا و تمر من مراحل كثيرة.
فهل تساءلت يوما كيف يمكنك أن تساعد ابنك خلال هاته السنوات حتى يصل لقمة استقراره النفسي و حتى يمشي في طريق التعلم بثقة كبيرة و خطى واثقة ؟
لقد كان هذا هو هم ماريا مونتسوري الأكبر الّذي كرست له حياة كاملة من الملاحظة. فكان من أهم مبادئ بيداغوجيتها توفير محيط جد محفز لمختلف المراحل التي يمر منها أبناؤنا.
أكمل معي قراءة المقال حتى نتعرف سويا على بعض النقط – و ليس كلها لأن الأمر أطول من أن يحصر في مقال – التي تتجلى فيها أهمية ما يدور في محيط ابنك , و كيفية توفير مكان مناسب لسيرورة نموه.

لماذا يعد المحيط مهما للطفل ؟

اعتبرت ماريا محيط الطفل عاملا أساسيا مؤثرا في عملية تطوره, فالمحيط المهيَّأ يُمكِّن أبناءنا سريعا من تكوين أمنهم الداخلي و ثقتهم فيما يحيط بهم و بالتالي في أنفسهم.
تبدأ عملية التعلم لدى الطفل منذ أيامه الأولى. كل ما يحيط به من مكان و أشياء و أشخاص و أصوات و روائح هي محفزات مباشرة لتطوره الحسي و العقلي و المهاراتي. و تساعده على تكوين ترتيبه النفسي الداخلي , فحسب ماريا مونتسوري, ترتيب العالم من حولنا ينعكس على الترتيب النفسي بداخلنا.

“الأمر المختلف في بيداغوجيتنا, هو أن محيط الطفل يعطي أهمية لروح الطفل أكثر من جسده” ماريا مونتسوري ـ الدليل العملي

أهمية التصاق الطفل  بالأم 

عندما يكون الطفل في بطن أمه ، فإنه يُكوِّن ترتيبا و احداثيات للعالم المتواجد فيه , كدقات قلب الأم و صوتها القادم من الخارج , طعم الماء المتواجد فيه و غيرها و حتى الهزات التي يتعرض لها بفعل حركة أمه.

ثم حين يولد الطفل يصبح كل شيء غريبا بالنسبة له في هذا العالم الجديد, كما أنه تعود على مسكن صغير جدا يحيط بكل أطرافه ثم جاء إلى مكان واسع , كل هذا يجعله متوترا و لا يحس بالأمان.

مما يفسر أهمية بقاء المولود بجانب أمه خاصة في ساعاته الأولى , فجسمها هو العالم الوحيد الذي يعرفه. بل و طيلة أيامه الأولى و حتى الثلاثة أشهر, فهذه الأشهر تُعتبر استمرارية لأشهر الحمل و يجب أن يحظى فيها الطفل بأمومة و رعاية خاصة و عن قرب.

و من هنا تجدر الإشارة إلى أنه ليس هناك عادات سيئة يكتسبها الرضيع بل هناك احتياج خاص يجب مراعاته و التجاوب معه حتى يُشبع أمانه الداخلي و يكمل مسيرة تطوره بطريقة سليمة. فلا داعي أن نهتم أكثر بمخاوفنا كأن يتعود الرضيع على حمله و لنهتم أكثر باحتياجه إلينا و الاتصال بنا.

أهمية الرضاعة الطبيعية

كما سبق أن ذكرت, أثناء الحمل يشرب الجنين باستمرار الماء الأمنيوسي الذي يتواجد فيه. مما يجعله يتعود على المذاقات الموجودة فيه و التي يكون مصدرها الأطعمة المختلفة التي تتناولها الأم,هذا يمثل له جزءا من ترتيب العالم الذي يعرفه.
حين يولد و يأخذ ثدي أمه, فإنه يجد فيه نفس المذاقات, مما يمكنه من الربط بين العالم الجديد و العالم الذي كان فيه و الترتيب الذي سبق و كونه.
الرضاعة الطبيعية بالنسبة لماريا هي أكثر من مجرد تغذية, هي أول خطوة نحو تكوين الإطمئنان و الأمان الداخلي لدى الطفل.

الأمكنة الواجب توفيرها

المكان الذي يعيش فيه الطفل يلعب دورا مهما في مسيرة تطوره و تعلمه لشتى المهارات, لذلك يجب مراعاة قدراته و محاولة ترتيب المنزل بطريقة تحترم احتياجه  توفر له فيما بعد أكبر قدر ممكن من الإستقلالية.

كما أنه نؤكد حسب البيداغوجية المونتسورية, على ضرورة إعداد أربع أمكنة مختلفة للطفل منذ أول يوم له في المنزل , حتى يستطيع أن يرسم سريعا إحداثيات المسكن الجديد و يحس بالأمان و الإستقرار, و يكون ثقته في محيطيه مما يخول له الإنطلاق سريعا فيه بكل تبات و خوض التجارب اللازمة لتطوره المهاراتي و الحسي.

تتجلى هذه الأمكنة الأربع فيما سيلي, و تجدر الإشارة إلى أن الأمر لا يتطلب تخصيص غرفة خاصة بل فقط أن نحاول الإلتزام بنفس الأمكنة لكل شيء

مكان النوم :
في الأشهر الأولى تنصح مونتسوري باستعمال سرير الأطفال المحمول أو ما يسمى “بالكونة”, و ذلك لأن المولود تعود في البطن على وجود شيء يحيط بجسمه و يضمه, و قد لا يتعود سريعا على إحساس المكان الواسع أثناء النوم.
لكن السرير المحمول ليس شرطا من الممكن تعويضه بعدة خيارات أخرى مثل التقميط مثلا الذي يعطيه إحساسا بالارتياح و الاطمئنان
فيما بعد حين يصبح الطفل قادرا على الحبو و الحركة, نوفر له فراشا أرضيا يستطيع أن يلجأ إليه وحده كلما أحس بالنعاس, الهدف هو تمكينه من تكوين استقلاليته مبكرا و خاصة أن يتعود على أن يستمع لاحتياجاته الداخلية بنفسه

مكان تغيير الحفاضات :
يجب أيضا توفير مكان خاص لتغيير الحفاظات, فيفهم الطفل كلما وضع فيه أنه سوف يغير , و يصبح مستوعبا لكل ما يحصل معه و حوله.
و هنا ننصح بوضع كل ما  نحتاجه عادة بجانب المكان المخصص حتى لا يضطر الشخص البالغ لترك الطفل, كما من المحبذ أن نرفق ما سنقوم به بتعبير شفوي, فرغم أن الرضيع لا يفهم بعد ما نقول إلا أنه يستوعب طريقة تعبيرنا و يربطها بما سيحدث.

مكان الأكل :
في الأشهر الأولى حين يقتصر الأمر على الرضاعة , ليس علينا إلا أن نتخذ مكانا قارا في المنزل لذلك, خاصة إذا كانت رضاعة بالحليب الاصطناعي.
فيما بعد , حين يبدأ الطفل في تناول الأغذية , من المهم أن نوفر له كرسيا عاديا و طاولة صغيران بقدر حجمه, أو أي وسيلة أخرى تمكنه من الإلتحاق بمكان الأكل وحده , و الهدف من ذلك أيضا هو تعويد الطفل على استقلاليته و عدم تعويده على ربطه في كرسي الأكل أو إمساكه. لقد فهمتم الموضوع , تقوم بيداغوجية مونتسوري في الأساس على تطوير استقلالية الطفل في كل جوانب الحياة.

مكان الإستيقاظ :
مكان الإستيقاظ أو مكان اللعب, هو المكان الذي يكون فيه الطفل حين يكون مرتاحا شبعانا نظيفا, يشاهد ما حوله يضحك و يصدر أصواتا, أو يلعب بألعابه و أشيائه.
من المستحب أن يكونا بسيطا غير مليء جدا , أن يكون فيه حس جمالي, و لعب غير صاخبة , محفزة لتطوره الحسي.

خلاصة
بعد كل هذا, يجب أن لا ننسى أن بيداغوجية مونتسوري ليست فقط عُدَّة و مكان مخصص دون مرافقة, إنها بيداغوجية عمق, تستغل ما هو متاح خارجيا لبناء الطفل داخليا, لمرافقته في تغذية سلامه الروحي حريته و سعادته.

اترك تعليقا