من خلال تجربتي و تجارب الأمهات التي عاينت من حولي, لاحظت أن هناك الكثير من النصائح التي تتلقالها الأم حول طفلها باعتبار أنها أم جديدة حتى و إن كانت أنجبت عددا من الأطفال من قبل.
الغريب هو أن جزءا لا بأس به من هذه المعلومات غالبا ما يكون لا محل له من الصحة. و هذا من أكثر المحفزات التي جعلتني أبحث كثيرا خلال رحلتي في الأمومة حتى أصل إلى المعلومة من مصدرها الموثوق.
في هذا المقال جمعت تسعة معتقدات و عادات شائعة جدا مرت علي مرارا و تكرارا. لكن غيرها كثير لا يمكن حصره يختلف حسب المناطق و المعتقدات.
سوف يتعود على الحمل
هذه من أشهر الجمل المنتشرة حول الرضع , بل و عند أغلبية الشعوب. يكفيكِ أن تأتي أيتها الأم بمولود جديد لكي تسمعيها , و ذلك منذ أيامه الأولى إن لم أقل لحظاته الأولى.
الطفل يولد بتركيبة دماغية مختلفة عنا تماما, لا يفكر و لا يعي ما يحدث في العالم من حوله بنفس الطريقة التي نفكر بها و نستوعب بها العالم نحن. و يأتي باحتياجات أساسية و مصيرية لنمو متوازن.
يحتاج الصغير لأن يحس بأمان دائم , و ذلك لا يحدث إلا إذا توفرت له عدد من العوامل, أهمها أن يكون على اتصال طيلة الوقت مع البالغ الذي يهتم به و أخص بالذكر أمه التي تمثل له امتدادا للعالم الآمن الذي كان فيه قبل الولادة, حيث ألف صوتها و دقات قلبها و رائحتها .
يختلف الأطفال في مدى احتياجاتهم, منهم من يكفيه بعض الوقت و قد يبقى مطمئنا بعدها, و منهم من سقف احتياجه عال و يتوجب أن يكون طيلة الوقت ملتصقا بنا, لكن المؤكد هو أنهم كلهم لم يولدوا حتى يوضعوا على جنب و يكملوا منذ البداية المشوار وحدهم, بل يجب أن نأخذ بعين الإعتبار أنه يتوجب أن نشبع احتياجهم و تعلقهم بنا حتى يستطيعوا أن ينفصلوا عنا فيما بعد بكل ثقة و طمانينة
سوف تقولون لي أن بعضكم حمل طفله منذ البداية فتعود فعلا على ذلك, في حين أن شخصا آخر لم يحمله فتعود أن يبقى أرضا !
يا للهول أفعلا حصل هذا , إذا إنس ما قلته للتو !
لا أمزح بالطبع, لكن ما لا تعرفه هو أن الطفل الذي يناديك و لا تلبي حاجته و لا تُظهِر له أنك فهمت ما يريد, ينتهي به الأمر إلى أن يفقد الثقة فيك و في محيطه و بالتالي في نفسه حيث أنه لا يعرف كيف يعبر لك, ثم يتوقف فيما بعد عن الطلب و عن التعبير , و يدخر احساسه بالوحشة له بما أنه في النهاية لا أحد يستجيب, مما يولد لديه طيلة الوقت توترا داخليا و خوفا مستمرا من محيطه و عدم ثقة, و أنت تظن أنه تعود على البقاء وحده مستلقيا.
قمطوه جيدا حتى لا تعوج رجليه
سمعت الكثير من التعليقات التي تفيد بأن التقميط مهم لنمو سليم للعظام , حتى أني فقط مؤخرا سمعت سيدة تقول أن الأشخاص الذين يمشون بطريقة غير سوية لم يقمطوا جيدا في الصغر.
و الأمر على العكس من ذلك تماما, حيث أن الطب أصبح يكشف اليوم على الكثير من الأشخاص الذين لديهم تشوهات و اعوجاجات على مستوى الحوض بسبب ضغط التقميط الذي كانوا يتعرضون له عندما كانوا رضعا.
هل هذا يعني أن التقميط عامة عادة سيئة, لا بل و مفيدة و مهمة في حياة الطفل النفسية حيث أنه يعيد له نفس إحساس الضيق الذي تعود عليه في بطن أمه, و بالتالي يحس بالأمان و ينام مرتاحا كأنه في البطن.
قالت لي سيدة بدوية في أحد الأيام , التقميط جيد إنه يجعل الأطفال يكبرون !
فكرت لوقت طويل كيف يمكن أن يجعلهم يكبرون ؟ ألن يكبروا إن لم نفعل ذلك؟ هل تعني أنهم سيبقون صغارا؟
لا أعلم إن كانت قد قالتها بمعرفة أو بغير معرفة, لكنني وجدت تفسيرا لذلك فيما بعد حين ربطت تأثير التقميط في توفير نوم جيِّد عميق, مع أهمية النوم في نمو الدماغ و تطوره و إفراز هرمونات النمو.
فكيف إذا نُحصِّل الفائدة و نتفادى الضرر, ليس عليك أن تبدل مجهودا, فقد فكر الناس قبلك و صنعوا أشكال أقمطة مناسبة تلف اليدين فقط و لا تسبب أي ضغط على مستوى العظام و الحوض.
مصحف جانب الرأس حتى لا يمسه شر *
لم يتبث في الشرع شيء يفيد أن وضع المصحف أو غيره بجانب الطفل حديث الولادة يقي من الجن والشياطين و الشرور.
والوقاية من هذه الأمور تكون بالاعتماد على الله تعالى والتوكل عليه، والتعوذ به من شرهم، وبالأدعية والأذكار المأثورة .
مع أن الأمر في حد ذاته لا حرج فيه شريطة أن يكون المكان طاهرا و أن لا يُعبثَ به.
بيد أنه سيكون أمرا مفيدا إذا تمت بدل ذلك تلاوة القرآن على مسمعه و تعوده على سماعه من الصغر.
لا يجب إخراج الرضيع قبل الأربعين يوما
و هذا معتقد آخر لا أصل له, فلم يتبث حتى الآن أن خروج الرضيع من المنزل في الأيام الأولى يشكل خطرا عليه.
كما ذكرت في النقطة السابقة يكفي أن نتوكل على الله و ندعوه بالأدعية المعروفة.
ثم نتجنب الأماكن المزدحمة و المغلقة حيث تكثر الفيروسات و المكروبات .
بل على عكس هذا المعتقد, فإن الهواء الطلق النظيف أفضل له من المنزل إذا كان دائما مغلقا و لا تصله الشمس و خاصة إذا كان هناك الكثير من الزوار.
الرضع لا يحسون بالألم
يعتقد الكثيرون أن الرضع لا يحسون بالألم, و تجري على ألسنتهم جمل مثل : إذا أجرى العملية صغيرا فإنه لن يحس, أو إذا تم ختانه صغيرا فإنه يبرأ دون أن يحس.
لقد برهن العلم منذ الثمانينات أن النواقل العصبية للألم تتكون عند الجنين منذ فترة الحمل . و بالتالي فهو يحس بكل ألم و جرح يصيبه, الفرق فقط أنه لا يستطيع التعبير و لا من أين يأتيه الألم.
إذا لم يشرب ماءا سيكون أبكما
لا أعرف من أين نَبَعتْ هذه الخرافة, لكني لا أظن أن هناك اليوم من لا يزال يصدقها.
ثم إن المنظمة العالمية للصحة نشرت أن الرضيع الذي لا يتناول إلا حليب أمه لا يحتاج أبدا لشرب الماء في الستة أشهر الأولى.
دمه ثقيل… دمه خفيف
عبارات شائعة تطلق على الرضع حسب سرعتهم أو تأخرهم في إظهار بعض التطورات في نموهم.
الموضوع ليس له أية علاقة بوزن الدم و لا خفته و لا ذكاء العقل و حذاقته أو كسله و تثاقله.
و ليس هناك أبدا من ينمو أفضل من الآخر إلا إذا كانت هناك مشاكل أو إعاقات صحية حقيقية.
إن تطور الدماغ في الأشهر الأولى معقد جدا, و لا يمكن حصر ما يقوم به في ما يظهر لنا من حبو و مشي و نمو أسنان . يأتي الطفل و كل شيء مبهم لديه و يبدأ على دفعات في اكتساب الكثير من المهارات التي لا نستوعبها نحن, كالمسافات و الأحجام و الأصوات و الملمس و غيرها , و حسب عوامل عديدة فكل يقدم إحدى المهارات و يؤخر أخرى
لكن كن على ثقة أن دماغه لا يجلس كسلانا دون عمل و تطور.
الطفل السمين طفل ذو صحة جيدة
هذه ليست فقط معلومة خاطئة, بل و خطيرة !
إن الآباء يفرحون و يفتخرون بأن يكون أبناءهم على قدر من السمنة و في سبيل ذلك فإنهم يقدمون لهم كميات و أنواعا من الطعام لا تناسبهم و لا تناسب قدرة أجسادهم بعد, مما قد يسبب عدة مشاكل في الحياة المستقبلية.
كثيرا ما اسمع عبارة ” إبن فلان لن تستطيع أن تحمله من الأرض من ثقله ما شاء الله ” فأتساءل أهذا أمر يدعو للإحتفاء فعلا !
ليس الوزن هو المشكل إذا ما كان النظام صحيا متوازنا يحترم قدرة الطفل, لكن المشكل هو أن البعض يسعى لأن يكسب إبنه الوزن بأي طريقة ظنا منه أن ذاك هو دليل الصحة.
لا تدَعُوه ينام بالنهار حتى لا يسهر ليلا
هذه أيضا من العادات المشهورة التي لا تعتبر فعلا جيدة و صحيحة مع أنها تبدو منطقية جدا.
عندما نفكر أن الرضيع خاصة حديث الولادة يشبع احتياجه في النوم نهارا لذلك فهو لا ينام بالليل, هذا يعني أننا نفكر أنه مثل الكبار و من منطلق أن هذا ما يحدث معنا أو على الأقل مع الأطفال كبيري السن.
لكن الأمر مختلف جدا , أولا لأن دورة نوم الرضيع لا تشبه دورتنا البتة, فهي لا تدوم أكثر من 50 دقيقة, أي أنه قد يستعيد نشاطه بعد دورة واحدة, إثنان أو ثلاثة.. و لا يعود مباشرة للنوم.
ثانيا لأنه ينام حين يحتاج دماغه لذلك, الأشياء الصغيرة التي نعيش عليها كل يوم هي أشياء متعبة له : أضواء أصوات أحداث … فيحتاج أولا أن ينام فور إحساسه بالتعب, ثم أيضا يكي يستوعب عقله الكم الهائل الذي يصله من معلومات : ما يرى و ما يحس و ما يسمع. النوم ليس نوما فقط, لقد برهنت اليوم علوم الخلايا العصبية أنه امتداد لعملية التعلم.
ثالثا, فإن الدماغ و الجسم حين يكونان بحالة توتر عالية, فإنه يصعب على الرضيع أن ينام. و غالبا حين لا ينام بالنهار و لا يرتاح, و يجمع كل التوتر الذي مر عليه خلال اليوم, فإن حظنا لن يكون بالجيد في الليل و لن ينام كما نرجو بل على العكس قد يدخل في نوبات بكاء مطولة خلال الليل لا نفهم سببها و ذلك لكي يتخلص من توتره.
لذا, و من أجل كل هذا و غيره, لا يحق لنا أن نشوش نومه حين يحتاج لذلك ,و أن نحاول إيقاظه بحجة أننا نريد أن نرتاح ليلا.
عندما نرزق بمولود لا حيلة إلا الصبر و إتباع نظامه بدل محاولة تغييره, ثم استغلال أوقات راحته لأخذ قسط من الراحة, أعرف أن الأمر ليس بالهين , و أنا في اللحظة التي أكتب فيها هذا المقال لست ببعيدة عن التجربة, لكن هي مسألة بضع أشهر رغم أنها تبدو طويلة جدا.
خلاصة :
الأطفال ولدوا على الفطرة, و هم مبرمجين لكي يتصرفوا و يتطوروا و يطلبوا ما يحتاجون له تماما لنمو متوازن. يكفينا فقط أن نثق فيهم و نتبع إيقاعهم. كما أنه بعيدا عن كل النصائح فإن إحساس الأم الموجه من خلال هرمون الأوسيتوسين الذي يخول لها أن تحس باحتياج طفلها غالبا لا يخيب.
و أنتم ما هي أغرب الأمور التي سمعتم, و ما هي النصائح التي تلقيتم التي لا تعرفون فعلا إن كانت صحيحة ؟ أنتظر تجاربكم في التعليقات.
* مصدرالفتوى : https://www.islamweb.net/ar/fatwa/125530/