” كيف يمكننا أن نربي إذا لم نعاقب, لم نضرب أو نصرخ” هذه من أكثر الجمل التي أسمعها.
هو في الحقيقة سؤال عادي نظرا لأننا طوال حياتنا لم نتعرف أو نرى أو نسمع بطرق أخرى. بل و حتى حين أصبحنا نعرف أن الأمر غير محبذ من أجل تطور الطفل السليم, فإن الأمر يصعب علينا كوننا لا نمتلك المهارات و دماغنا متعود على أن يعيد نفس السيناريو المسجل.
مع ذلك, كونك أب , لا بد أن الأمر يؤلمك, تشفق على صغيرك, تضربه و تدخل في صراع مع مشاعرك بين ضرورة الأمر من أجل مصلحته و بين رأفتك به و تألمك لتألمه.
هذه هي قضيتي الرئيسية, التعريف بكينونة الطفل , و بعدة طرق و مهارات تمكننا من السير معه في درب التربية و الحياة دون إيذائه و المس بكرامته.
تعرف معي إذا على سبعة عشر طرق تمكننا من مواجهة الأحداث اليومية التي نعيشها مع أبنائنا و التعامل معها.
تغيير محور التركيز:
أحيانا يصر الطفل على فعل ما أو أخذ شيء ما. تحاول أن تمنعه, أن تقنعه أن الأمر غير ممكن ,لا تفلح , و يتحول الأمر إلى شجار.
أتعلم ؟هناك طريقة تنجح في كثير من المواقف. يكفيك فقط أن تشتت انتباهه , و أن تصرفه لشيء آخر يجذبه بدل أن تزيد من التركيز على الأمر الأول.
على سبيل المثال أذكر طفلا كان يضرب ليلا بِكُرةٍ صلبة على الأرض, والده يشرح له أن الأمر مزعج للجيران, و الولد لا يتوقف , كان من الممكن أن تتصاعد حدة الموضوع , لكن تفهما لأنه لا يستمر في الفعل إلا لأنه مسل بالنسبة له و ليس لأنه يقصد أن يغيظهم, اختارت الأم أن تشغله بالحديث عن اللعبة الجديدة هل أحبها و تسأله إن كان يريد أن يلعب بها, هذا الموضوع جذبه أكثر فاشغل عما يقوم به و ركض ليخرج اللعبة.
استبدال جمل النفي :
الطفل عامة, و خاصة قبل الثلاث سنوات , لا يحلل الجمل مثلنا نحن الكبار و لا يستوعب صيغة النفي, لا يركز في الجمل إلا على الكلمات اللأساسية.
و نحن نغضب لأننا نظن أنه يتعمد القيام بعكس ما نقول .
يركز دماغ الطفل في جملة: “لا تلعب بالسكين ” على كلمتي : لعب سكين. و بالتالي لا يستوعب كثيرا ما نطلبه منه, خاصة إذا كان منغمسا بكل مشاعره في لعبة أو أمر ما.
لذا من المحبذ الانتباه لكيفية توجيه الكلام للصغار. فإن استعملنا مثلا ” دع السكين ” أو “السكين ممنوع ” سنختصر علينا من البداية نصف الطريق
ربط السبب بالنتيجة :
نغفل دائما عن حقيقة أن النتيجة هي أفضل درس يتعلم منه الأطفال, لكنها طريقة طبيعية فعلا رائعة.
لا بد أنك سبق و سمعت أشياءا مثل : دعه يسقط ليتعلم في المرة القادمة أن الأمر مؤلم.
هل تعرف أن المبدأ لا يقتصر على هذا الجانب ؟ بل يسري على أشياء كثيرة جدا لا نلقي لها بالا .
حين ينكسر الكأس فإنه يتعلم أنه قابل للكسر. حين يسكب الماء سيتعلم كيف يمسكه جيدا في المرات القادمة, و الأمثلة كثيرة. لذا لا داعي أن نصرخ في وجهه بعدها أو أن نوبخه و نذكره أننا حذرناه مسبقا, الدرس الذي تعلمه أبلغ من صراخنا.
بدل ذلك يمكننا مثلا أن نطلب منه بحزم أن ينتبه في المرة القادمة و أن يقوم بإصلاح الفوضى الناجمة و نرافقه في ذلك.
تجنب الابتزاز :
يمكننا أن نستغل مسألة تعلق النتيجة بالسبب المذكورة آنفا, حين يتعلق الأمر بشيء لا بد منه لكن يأبى الطفل أن يتعاون فيه
فبدل أن نقول : إلبس سترتك و إلا فإننا لن نخرج . يمكن تعويضها ب : إذا لم تلبس جيدا لن نستطيع الخروج لأن الجو بارد و أخشى أن تمرض.
فالأولى يفهم منها الطفل أنك تبحث فقط على أن تكسر ما يريده و تفرض عليه ما تحب أنت و إلا فسوف تعاقبه بعدم الخروج. أما في الثانية فالسبب أوضح و لا يتعلق الأمر بعقوبة , بل ضرورة , حيث أننا ربطنا له السبب بالنتيجة.
تفضيل التركيز على السلوك الإيجابي :
للأسف نركز أحيانا كثيرا على سلوك سلبي ما و نضل نتبع الطفل بالمجهر حتى نؤنبه كلما قام به , لكن حين يقوم بالسلوك الذي ندعوه إليه نعتبر الأمر عاديا و لا نعلق عليه , في حين أن العكس هو ما يتوجب القيام به.
الأمر منطقي , حتى أنت لن تحب الموضوع إن ركزنا على المرات التي تخفق فيها في شيء ما بدل تذكر المرات التي تبلي فيها حسنا.
الطفل أيضا , سوف يسعد كثيرا حين تمدحه على أنه رسم و لون في الأوراق , فذلك ما دعوته لفعله حين وبخته على قيامه بالرسم على الحائط.
التعبير عن احتياجنا و مشاعرنا :
أغلبية أوامرنا الموجهة للطفل , هي عبارة عن أمور تسبب لنا نحن إزعاجا و ليس له , و بالتالي فهو لا يفهم السبب من وراء هاته الأوامر.
حين يغني بصوت مرتفع أو يلعب بصخب فإن المشكلة مشكلتنا و ليست مشكلته.
هل فكرت يوما في الموضوع من هذه الزاوية ؟
حاول من اليوم تعويض أسلوب مهاجمة الطفل بأسلوب التعبير عما تحسه أنت , أسلوب التعبير عن شعورك , لأنه لن يعرفه من تلقاء نفسه.
إذا كنت تحتاج لقيلولة صغيرة , أخبره أنك متعب و تحتاج أن ترتاح لذا تحتاج منه بعض الهدوء و أن يلعب بدون إصدار أصوات مزعجة.
إذا كان غير متعاون عند الخروج , أخبره أنك لا تملك الوقت و يتوجب عليكم اللحاق بالحافلة سريعا لذا فإنك تنتظر منه أن يقوم سريعا بما يتوجب…
” التعبير عن مشاعرك التي تحترم مشاعر الطفل تجعل الطفل يتفاعل إيجابيا و بشكل عاطفي مع مشاعر الوالد… و هذا يقرب التواصل النفسي بين الوالد و الطفل” د.مصطفى أبو السعد – رخصة القيادة التربوية
توقع الكثير من الانضباط :
في الحقيقة هذه هي أكبر مشكلة تواجهنا في علاقتنا مع أبنائنا , أننا نتوقع منهم الكثير و أن يكونوا على قدر عال من الإنظباط .
ما دمت تنظر إلى ابنك بهذه العين, فللأسف يصعب عليك بناء علاقة قوية معه قائمة على السلام , لأنك ستكون طوال الوقت مثل القلم الأحمر الذي يستنكر أدنى خروج عن السطر.
خذ الأمور ببساطة, هو مجرد طفل ذو دماغ غير مكتمل النمو.
توجيه عدة أوامر دفعة واحدة :
“إجمع لعبك و خذها لمكانها ثم اغسل أسنانك و اذهب لتنام” !
على رسلك يا أخي
على هذا المنوال و في أفضل الحالات فإنه سيفعل شيئا واحدا من اللائحة التي سردت للتو , و في الحالة العادية لن قوم بأي شيء.
مرة أخرى, الطفل لا يمتلك نفس قدراتنا , لن يستطيع أن يركز إلا إذا كان الأمر محددا و واضحا , خاصة في سنوات حياته الأولى.
ذاكرته القصيرة التي من المفروض أن تحتفظ بسلسلة من الأمور التي يجب القيام بها لا تبدأ في النضج إلا ابتداءا من الخامسة. و أسطر على كلمة “تبدأ” .
البحث عن طرق مسلية :
الكثير من الجدية متعب.
إذا كنا مضطرين أن نكون جديين طيلة اليوم, فإن أفضل وقت للابتعاد عن ذلك قليلا هو ذلك الذي نتعامل فيه مع الأطفال.
إذا كانت هناك أمور عصيبة يمتنع عنها الطفل فلتبحث عن طريقة مسلية محفزة له , بهذا ستضرب الكثير من العصافير بحجر واحد . كيف ذلك؟
سوف تتجنب الانفعالات, ستعزز الرابط بينك و بينه, و الأهم من ذلك ستحبب له الفعل و تجعله يقوم به في جو من الراحة و السعادة دون مشاحنات.
قواعد واضحة للأسرة يتبعها الجميع :
حين تكون القواعد محدودة , معروفة من طرف الجميع , و واضحة , فإنه مع الوقت يسهل على الجميع الإمثثال لها . لا تتردد أن تحدد ما هي القواعد العامة التي لا يمكنكما كأبوين التغاضي عنها , و رددوها مرارا حتى يستوعبها الجميع و تصبح من البديهيات.
مثلا بالنسبة لنا لا يمكن أن تتحرك السيارة دون أن يضع الجميع حزام السلامة , و ليس من المسموح أبدا أن يبقى الطفل واقفا في السيارة و هي تسير, من لا يمثثل لذلك ينزل من السيارة لأن الأمر فيه خطورة على حياتنا.
هكذا حددنا القاعدة و الغاية من وراءها و مع الوقت أصبحت شيئا مسلما.
من لحظات مشحونة إلى ضحك و لعب :
حين يبدأ الأمر يتحول إلى نوبة غضب , شجار أو بكاء, لديك خيارين أمامك
أن تنفعل, تغضب بدورك, تدع مشاعرك تسيطر عليك, يرتفع ضغط الوضع, تصرخ في وجه الطفل, سيزداد توتره و حدة مشاعره التي لا يعرف كيف يسيطر عليها, ثم يزداد عنادا, و ينتهي الأمر غالبا باستخدام القوة.
الخيار الثاني هو أن تتحكم في مشاعرك, أن تعي باللحضة التي نفقد فيها السيطرة, أن تشل التوتر الذي يتصاعد بينكما. كيف يمكن ذلك ؟ هناك حيلة لطيفة أحب استخدامها في جل الأحيان : تحويل الوضع إلى سيناريو ساخر, تحويله إلى ضحك و مناغشة للطفل, و النتيجة مذهلة.
ما عليك إلا أن تبحث عن جانبك البهلواني , لا تقل لي أنك لا تملكه , نحن جميعا نمتلكه , قد يكون فقط ضائعا بين ثنايا المسؤوليات الكثيرة.
و الصراخ ؟
الأطفال في جميع الأحوال ليس هدفهم هو التمرد و خلق المشاكل , هم يمرون خلال سنوات تطورهم من عدة مراحل يحتاجون فيها أن يؤكدوا ذاتهم و أن يحسوا بوجودهم كأشخاص مستقلين.
نحن الكبار, و لعدم وقوفنا عند هذه النقطة, نلعب معهم على مدار الساعة لعبة السلطة و إصدار الأوامر التي لا نقاش فيها, مصحوبة بكثير من الصراخ.
ماذا إذا وضعنا أمام أعيننا أن أطفالنا يستحقون أن نعطيهم مساحة من الإعتبار و أنهم يستحقون منا فعلا الإحترام لإنسانيتهم.
ماذا إن حاولنا أن نبدل عبارات الأمر و النهي بالأسئلة , التي سوف تحمل نفس المعنى لكن بصيغة أكثر احتراما, مع صوت حازم غير صارخ .
هل يمكنك أن تغسل يديك حتى تستطيع أن تلتحق بطاولة الطعام ؟
هل يمكنك أن تبتعد عن المزهرية لأني لا أحب أن تنكسر ؟
هل يمكنك أن تلتحق بي سريعا للاستحمام لأن عندي أشغال أخرى يجب علي القيام بها ؟
في النهاية هو لن يستطيع أن يرفض التعليمات المطلوبة
أليست هذه العبارات أفضل وقعا من الصراخ و الأمر ؟
إعطاء خيارات :
تفاديا لبعض المشاكل التي نعرف مسبقا أنها ستقع, يمكننا أن نلجأ لإعطاء خيارات للطفل ممكنة التنفيذ
هكذا سيحس أن لديه الفرصة ليقرر, و في نفس الوقت نبعد تفكيره عن القرارات غير الممكنة
هل تريد أن تلبس السروال الأحمر أو البني ؟
هل تريد أن تأكل تفاحة أم رمانة ؟
هل تحب الذهاب للحديقة المجاورة أو أن تلعب أمام المنزل ؟
محاولة فهم شعور الطفل و غايته :
أحيانا نثير مشاكل و ننفعل من أجل أمور دون أن نفهم الدافع وراءها. إذا قام الطفل بفعل غير اعتيادي. فلنأخذ الوقت أولا لنفهم السبب, و لنسأله لماذا فعل ذلك. في كثير من المرات تفاجئني الإجابة و أجد أن السبب من وجهة نظره وراءه نية جد حسنة و لا يتطلب الأمر إلا أن أشرح له أنه غير لائق.
أذكر مرة قبل أن يكمل ابني ثلاث سنوات, فجأة بدأ كلما وضعت صحن الزيت أثناء الفطور, يضع فيه إصبعه و يبدأ برسم نقط من الزيت في غطاء الطاولة, كان الأمر يغضبني و لا أفهم لما يفعل ذلك. بعد مدة اكتشفت أنهم يقومون بنفس النشاط في الحضانة باستخدام صباغة و أوراق. كان اكتشافا مفاجئا لي حين عرفت أنه وجد في الأمر إشباعا لإحتياج تطوري داخلي, و لم يكن علي إلا أن أرشده ليفعل ذلك بالأدوات المناسبة.
التغاضي عن الأمور المتجاوزة :
التغاضي هو أساس من أسس التربية الناجحة, الطفل طفل, معظم أفعاله لا تناسبنا , فلننظر إليه باعتبار حقيقته و ليس على أنه إنسان يجب تقويمه
تغاضى كثيرا ترتاح كثيرا, أنت لست شرطيا أليس كذلك ؟
عدم التغاضي حين يتعلق الأمر بشيء لا بد من القيام به :
في حين أن هناك ما يجب الإصرار عليه, فلا تقم بالأشياء مكانه, يمكنك مرافقته و مساعدته و إحضار الأدوات التي يحتاج إليها لذلك و تعلمه كيف يفعل, لكن لا تتردد في الوقوف عند الأمر.
أيضا لا يمكن أن نتغاضى عن الأمورالتي تشكل خطرا عليه
عدم إنشغال الطفل يجعله يبحث :
إذا وجدت نفسك تقول الجملة الشهيرة “أأنهاك عن فعل لتمر لأكبر منه ؟” فاعلم أنه لا يجد ما يفعله و يبحث فقط عن عمل ما.
إذا أزعجك كل ما حاول القيام به حاول إيجاد نشاط مناسب له يشغله و يسعده
خلاصة :
هذه الخطوات , ستغير علاقتك مع أبنائك و تجنبكم الكثير من التوتر.
لكن الأمر ليس هينا , يتطلب الكثير من العمل و الصبر , و الإشتغال على النفس لتلقي وراءك الطرق المعتادة و تعيد برمجة دماغك و انفعالاتك.
تذكر أنه ليس هناك شخص مثالي , ستخطئ حتما و لا بأس, المهم هو إصرارك حتى تصل للنتيجة المبتغاة. جرب شيئا بعد الأخر صحح و عدل حسب تقبل طفلك, فليس هناك دليل استخدام عام لجميع الأطفال .
و لا تنسى أن تعود لتترك لي تعليقا بتطور الأمور معك.