التربية الإيجابية

لماذا يعاندني طفلي على الدوام

طفلك يعاندك على الدوام ؟, في كل مرة ينتهي الأمر بنوبات من الغضب و الصراخ و البكاء و إجبار الطفل بالقوة على فعل ما يجب فعله أو ترك ما يجب تركه ؟
اعلم أنك لست الوحيد من يعاني من هذا الأمر, هذا المسألة هي أكثر شيء يطرح من طرف الآباء.
الجميع يشتكي من أن الأطفال لا يسمعون الكلام و يصرون على فعل عكس ما نأمرهم به
في هذا المقال سوف أفصل بعض الشيء في الموضوع حتى نستطيع أن نفهم الإشكال بوضوح

يقول معظم الآباء أن مشكلة العناد هي أساس جل المشاكل مع الأطفال, إذ لا يمكن التوصل للحلول و تنفيذ الأوامر إلا حينما تتصعد الأمور و يدخل العنف و الصراخ على الخط كي نتمكن من إجبار الطفل على الإمتثال .

لكن إن تمعنا قليلا, نجد أن أصل المشاكل هو المشاعر اللحظية التي تنتاب كلا الطرفين.

← من جهة الطفل متحمس لأمر ما, يريده بل و قد يكون منغمسا فيه بكل مشاعره.

← و من جهة اخرى نحن في دور الأب, لدينا احتياج ما, نرغب في أن يكون الطفل متعاونا ليسهل علينا الأمور أو لمصلحة عامة, فينتابنا توتر لا ننتبه له, أو ربما غضب لرؤية فعل لا نحبذه.

← ماذا ينتج عن هذا ؟ هذا السيناريو الموالي هو ما يحدث في غالب لأحيان

♦ نحن (من موقع السلطوية) : ننهر الطفل بطريقة حادة, أو نجبره على تنفيذ أمر ما.
♦ الطفل : يحس بشيء من العدوانية تجاهه و أننا لم نحترم شخصه (الأمر الذي قلما نفكر فيه) و أنه لم يفعل شيئا يستحق هذه المعاملة.
هذا يدفعه أن يصر على فعله و على أن لا يمتثل لرغبتنا ليستطيع رد الإعتبار لنفسه
♦ ردة فعلنا الموالية : نرى بدورنا أنه لم يعرنا اهتماما و أنه يصر على فعله عندا فينا و فقط حتى يزعجنا. هذا يولد غضبا لدينا نظرا لإحتياجنا المكتسب لطاعة أولادنا لنا , فيدفعنا هذا الإحساس إلى الانفعال و اللجوئ للقوة البدنية حتى نربح المعركة.

أردت أن أصور لك هذا المشهد في بادئ الأمر حتى تستطيع أن تفهم بوضوح أهمية الإنتباه أولا لما ينتابنا من مشاعر, و ثانيا أن نفكر دائما ما قد يكون دافع للطفل, و عدم الإكتفاء بجملة : إنه يثير أعصابي (إلقاء اللوم على الآخر)

إن أساس المشكل و مفتاحه هو طريقة تعاملنا مع الأمور

منذ أيام كان ابني يقفز فوق السرير و الرضيع بجانبه, أمرته أن يتوقف لكنه لم يكترث,
أعدت جملتي الآمرة : قلت لك توقف من القفز ألا تسمع !. تابع نشاطه غير آبه لي بل و ضاحكا !
بدأ توتري يتصاعد لسببين : أولهما أنني خفت أن يأذي الرضيع , و ثانيهما أنه أغاظني بعدم طاعته لي بل و اصراره المقصود على عدم الإستجابة
أحسست برغبة في أن أصرخ بشدة عليه و أوبخه و أنتقم منه على عصياني.
و في ثانية كبحت نفسي و اتجهت نحوه , أمسكت يده لأحثه على النزول ثم غيرت نبرتي و أنا أشرح له أنني أطلب منه ذلك لأني أخاف أن يسقط فوق أخيه دون قصد. فنزل بكل هدوء و دون أي مقاومة أو تصعيد

باختصار, الأخطاء التي يجب أن نتجنبها هي
أولا صيغتنا , ثم دوافعنا في إصدار الأوامر (أحيانا يكون الدافع فقط أن الأمر فيه راحة لنا)
و ثانيا إجابتنا الفورية دون تفكير لحالة نفسية تنتابنا في لحظة
و أخيرا عدم التفكير في دوافع الطفل و إحساسه و عدم وضع نفسنا مكانه لنرى ما يرى

و مع أن هذا السبب هو الشائع غالبا خلال يومياتنا , فإن هناك بالطبع أسباب أخرى متعددة

فمثلا من المعروف أن الطفل يمر بمراحل عمرية متعددة يكون فيها العناد ضرورة نفسية, أبرزها مرحلة السنتين و الأربعة, ثم مراحل أخرى

و هذا العناد يعد أمرا صحيا من أجل تطوره, يستعمله من أجل أن يثبت شخصه و رأيه, و يعطي الإعتبار لنفسه و يحفظ كرامته,
و المشكلة أننا عندما ندخل معه في حلبة من الصراع فإننا نكسر هذه النفس التي هو في صدد بنائها و هذه الكرامة التي يحاول أن يحافظ عليها

و من أبرز الأسباب أيضا, كثرة اللوم و التعنيف و الصراخ من طرف أولياء أمر الطفل و المحيط مما قد يجعل منه كثير العناد و عدوانيا بفعل رفضه للمعاملة التي يعامل بها.
و أيضا بفعل امتصاصه للطابع السائد حوله, فيتعلم أنه إن أراد الحصول على شيء أو فعل شيء فمن الممكن استعمال الصراخ و العنف و الندية. الأطفال يتعلمون أكثر من خلال ما يعيشون و ليس ما نملي عليهم.

“الحياة التي يسودها الشجار بين الأبوين على مرأى من الطفل تكسبه الميل للعدوانية” د.مصطفى أبو السعد

و غير هذا, فإن الكثير من سلوكيات الطفل التي قد نعتبرها عنادا هي ليست كذلك بالضبط, و سبب ذلك أننا نظن أنه لديه نفس إمكانياتنا و نفس ميكانيزمات العمل لدينا .
فعلى سبيل المثال قد نظن أنه يسمعنا و لا يستجيب في حين أنه حقيقة لم يسمع, لأن عملية تطوره و تعلمه تقتضي منه أحيانا أن ينغمس في فعل ما و يركز فيه بكل حواسه و يعيش حقيقة الأدوار التي يتخيلها, فهو في عالم آخر . و بالرغم من أنه على ما يظهر لنا يسمع و يجيب بكلمات مثل حاضر و نعم و لا, إلا أنه فعلا لم يسمع ما نطلب منه بانتباه

لكن ما الحل هل ؟ هل نترك الطفل يفعل ما يحلو له و نستمتع بعدم تنفيذه لكل ما نطلب ؟

كل شيء يأتي بقليل من الحكمة, فنحن كآباء يفترض أن نكون الطرف البالغ العاقل الذي لا يبحث على الفوز بالمعارك و حسب. بل أن نحاول أن نجد جسر تواصل مع الطفل و أن نخلق توازنا عند مختلف الأحداث اليومية.

و كيف نخلق هذا الجسر ؟

هناك العديد من الطرق و الأساليب التي تنفع في أن نفتح باب التواصل و أن نكون و طفلنا على نفس الموجة

أولا لا يجب الإقتصار على حصر الحل في أمرين إما أن نخضع أو يخضع, و هذا فخ يسقط فيه الكثيرون , يحسون أنهم إن لم يربوا الإبن فهو من سيربيهم , مع تحفظي على كلمة يربي هنا لأن المعنى الذي يقصد هنا دائما هو “الطاعة و تنفيذ الأوامر و الإستكانة” أما معناها الحقيقي هو غير ذلك و أكبر منه بكثير
لا يوجد فقط هاذان الحلان حيث أنه في أغلب الأحيان يكون إيجاد حل وسط هو الأفضل على الإطلاق.

ثانيا أن نضع طول الوقت في ذهننا حقيقة أن دماغ الطفل غير كامل و لا يعمل بنفس طريقة عمل دماغنا, فمثلا هو إن دخل في نوبة غضب أو خوف أو … فإنه لا يستطيع الخروج منها وحده دون مساعدة و لا يستطيع أن يستوعب في لحظتها أي شيء منطقي نقوله له. في هذه الحالة يجب احتواؤه و تهدئته أولا, ثم التكلم فيما بعد.

و أيضا أن ندرب أنفسنا على مجموعة من الأساليب للتواصل مع الطفل. إذا عدنا إلى المثال الذي ذكرته قبل قليل أعلاه , كان الجسر الذي خلقته مع إبني هو اللمس و المرافقة, أمسكت يده أولا حتى ينتبه لي و ينصت حين يحس بلمسي إياه, ثم رافقته في النزول بعد ذلك مع نبرة جديدة حين تأكدت من إصغائه لي.

مع هذا ربما في موقف آخر كان لن يستجيب بنفس الطريقة و يتوجب استعمال أخرى! فذلك يختلف حسب الموقف و المزاج و الطفل أيضا و كما يقال “لكل مقام مقال”. يمكنك أن تطلع على مزيد من أساليب التعامل في مقالي 17 طريقة ليتعاون طفلك معك دون صراخ و عنف

خلاصة :

الإنتقال من حال إلى حال بضغط على زر ليس ممكنا طبعا, لذلك أول خطوة ادعوك أن تتدرب عليها هي أن تراقب تحول مشاعرك على مدار اليوم و في مختلف الأحداث, ثم أن تحول تركيزك من ” إنه يعاندني ” إلى “ما الخطب ما الذي جعله يتصرف على هذا النحو, لا بد أن هناك دافعا ما” . إذا عملت فقط على هاتين النقطتين فإن الفائدة التي ستجنيها ستكون كبيرة
من ناحية سوف تتجنب الضغط المستمر عليك و على ابنك, و من ناحية أخرى سوف تقوي العلاقة بينكما و هنا يكمن سر كل شيء.

لا تنسى أن تكتب لي استنتاجك بعد أن قرأت هذه السطور و ما ستكون خطتك لتغيير الوضع نحو الأفضل.

٪ تعليقات

اترك تعليقا