التربية الإيجابية من 0 إلى 3 سنوات

ما هي الحركية الحرة و لماذا من المهم أن أتبناها ؟

هل تعلم أن شغفك لأن يتعلم ابنك بسرعة عدة أمور قد يكون وحده سببا في منعه من أن يتعلم جيدا و كما يجب و خاصة أن يعود عليه و على شخصه ما تعلمه بالنفع ؟
خاصة حينما يتعلق الأمر بالتطور الحركي للطفل لأن البالغين اعتادو على أن يتدخلوا فيها بطريقة لا تعتبر فعلا إيجابية ,فقد بينت الأعمال التي قام بها العديد من علماء الطفولة و النفس خلال القرن الماضي و الحالي أهمية الحركية الجسدية الحرة للأطفال و احترامنا لها
لماذا و كيف ؟ هذا ما ستعرفه في هذا المقال

ما هي الحركية الجسدية الحرة للطفل ؟

يتلخص مبدأ الحركية الحرة في عدم تدخل البالغ في مراحل نمو الطفل الجسمانية و عدم وضعه في وضعيات غير قادر بعد على القيام بها وحده و عدم وضع حواجز و معيقات لحركته اليومية

و هو مفهوم طورته دكتورة الأطفال الهنغارية إيمي بيكلار في القرن العشرين, إنسانة أخرى قضت سنوات من حياتها في مراقبة الأطفال و سيرورة تطورهم

خرجت عبر دراساتها باستنتاج أن الطفل الذي يُترك حرا في اختيار حركته و تطويرها دون وضعه في وضعيات مفروضة عليه من طرف البالغ و دون وضع عوائق لحركته, هو طفل واعي بجسمه فاعل في مسار نموه يكسب كثيرا في ثقته بنفسه و قدراته و إمكانياته الجسدية فيما بعد

“النشاط المستقل ليس لحظة تمنح للطفل ،و ليس امتيازا نعطيه له مثل إعطائه قطعة حلوى ، النشاط المستقل الحر هو طريقة عيش مما يعني أن الطفل طيلة يومه هو إما مع البالغ يهتم باحتياجاته الإعتنائية و إما في نشاطه ” – دكتور سانتو فيدير

لماذا تعتبر الحركية الحرة مهمة ؟

عندما نقدم أي مساعدة للطفل مهما كان سنه فإننا نمرر له رسالة ضمنية مفادها أنه لا يستطيع و غير قادر على فعل أي شيء دون مساعدة شخص بالغ , في حين أنه يستطيع أن يطلب مساعدة إن احتاجها

اعتبرت ماريا مونتيسوري أن التفكير و الوعي يبدأ عبر الجسم أولا, بمعنى أن الطفل يكوِّن كل معرفته من خلال اتصاله بالعالم الخارجي عبر حواسه. الفكر و الجسم جد مرتبطان ببعضهما

لهذا فإنه من الواجب تشجيع حركة الطفل الذاتية منذ الولادة, لأنه كلما استطاع أن يحرك و يستعمل أكثر أطراف جسده كلما بنى دماغه أكثر.

الحركة هي تعبير محض للإرادة و الهوية لذلك يشترط أن تكون نابعة منه و لا يعتمد فيها إلا على نفسه. من المهم جدا إعطاء مساحة للطفل ليكون حرا في حركته و فاعلا رئيسيا في تطورها.

تخيل معي أن شخصا ما بحجة أنه يود أن يطور من قدراتك , و أنه يريدك أن تكتشف وضعيات لا تعرفها أو لا تعرف كيف تقوم بها, قرر فجأة أن يجبرك كل يوم بضع مرات على أن تمشي على يديك مقلوب الرأس و رجليك في الهواء !!

سيكون أمرا مجهدا و فضيعا بالنسبة لك أليس كذلك ؟ خاصة أنك لم تطلب منه شيئا و أنه ليس باختيارك.

تخيل معي مرة ثانية أنك من ذاتك و محض إرادتك أحببت أن تتعلم كيف تمشي على يديك مقلوب الجسم, محاولاتك هي أولا بدافع داخلي, تقوم بها و أنت واع بجسمك و بما يلزمك أن تصلح من حركة لتتقن الأمر

 إن فشلت فإنك ستحاول عدة مرات أخرى لأنك لا تأبه للألم بما أن الأمر مشوق لك , و قد يزيدك تشجيع الشخص الآخر و مرافقته لك من ثقتك بنفسك و إقدامك على الأمر.

فرق كبير جدا بين الحالتين أليس كذلك ؟

كذلك هم الأطفال, لا يحتاجون منا إلا المرافقة و التشجيع و عدم الإحباط و وضع عوائق, و إن احتاجوا مساعدتنا فسوف يطلبون ذلك.

يؤلمهم أن يوضعوا في وضعيات هم غير قادرين على القيام بها بمحض إرادتهم.

كما أن اكشافهم لوضعية جديدة و قيامهم بها وحدهم يجعلهم يحسون بالفخر نحو ذواتهم, و بفرحة كبيرة إثر إنجازهم . من المؤسف أن نحرمهم من ذلك.

“لقد أظهرت الدكتورة بيكلار أننا لسنا مضطرين إلى تعليم الطفل . إذا سمح له باستخدام كل قدراته الحركية الجسدية بطريقة حرة على وجه التحديد دون إجباره على القيام ببعض الأشياء التي لا يعرفها بعد كيف يفعلها في ذلك الوقت ، فسوف يسير في طريق مثير للاهتمام للغاية من الحركات المختلفة بكل سهولة وأمان ونشاط كبير وسعادة لأنه دائمًا ما يكون مصدر ما يفعله” – سانتو فيدير

الأخطاء الواجب تجنبها

نحن الكبار لدينا تشوق (غير مبرر) لأن ينجح أبناؤنا في القيام بكل شيء مبكرا و قبل أقرانهم.

من منا لم يتمنى بوعي أو بدون وعي , لو أن ذلك الطفل الخارق الذي ولج الجامعة في سن مازال فيه أقرانه في مستوى الإبتدائي كان إبنه ؟

على نفس المنوال نسعى إلى أن نحرق المراحل و نضع الطفل قبل أن يرغب في ذلك من نفسه في وضعيات عدة بمبرر أننا نمرنه, مثل الجلوس استنادا على الوسائد, ثم تدريبه على المشي باستعمال عربة المشي الجارية أو بتمشيته و نحن نمسك يديه.

ثم فيما بعد ربما صعود الدرج و اجباره على تجريب الأرجوحة و غيرها من الأمور…

و لغرابة المتناقضات فينا, فإنه ما إن يطمح لفعل أمور ما تساعده على تطوير تناسق حركيته و التآزر بين أعضاء جسمه و اكتساب التوازن و غيرها … كالقفز من فوق طاولة أو مرتفع ما, أو محاولة صعود سلم أو الجري خارجا, فسرعان ما ينتابنا الخوف , و المؤسف أننا نمرر له هذا الخوف دون قصد بعبارات مثل “ لا تجري سوف تقع سوف تُجرح سوف تكسر عظامك سوف تتحطم أسنانك …”

ماذا يستنتج الطفل من هذا للأسف ؟

يصبح أولا غير واثق في نفسه ظانا على الدوام أنه غير قادر على فعل الكثير من الأمور, مما يجعله للأسف لا يلبي نداءه الداخلي لتطوير الحركية العامة و الدقيقة.

ثم ثانيا نهول من أمر الحوادث في نظره, فيصبح يتصور أنه إن سقط فالأمر سيكون كارثيا.

و ماذا إذا ؟

ماذا إذا تركناه في شهوره الأولى يتعلم وضعيات جديدة و يطور حركيته دون أدنى تدخل منا ؟

ماذا لو لم نضع له عوائق تشل من حركته كربطه في كرسي الأطفال الهزاز لساعات ؟

ماذا لو لم نشتر له ذلك السور المصنوع للعب الرضيع بحجة سلامته و الذي هو في الحقيقة ليس إلا سجنا و مكان لشل حركته ؟

ماذا لو لم نربطه بحبل مع الطاولة حتى لا يذهب بعيدا ؟

ماذا لو لم نجعل خوفنا عائقا له ؟

ماذا لو احتفظنا بالجمل التي تفهمه و تجزم له أنه غير قادر و أن مكروها سيصيبه و عوضناها بأساليب أنسب تجعله متشجعا مع اتخاذ حذره ؟

كالفرق بين توقف سوف تسقط” التي تفيد أن الأمر واقع لا محالة و بين “ أرجوا منك أن تنتبه لأني أخاف أن يصبك مكروه “ مع اتفاق مسبق على الأمور الخطيرة التي لا يجب القيام بها أبدا.

ماذا لو كنا وراء الطفل مشجعين له في كل أحواله, في فشله مثل نجاحاته. و أن نكون محفزين محترمين لقدراته بدل أن نكون مجبريه على أشياء فوق طاقته, و مانعيه من أشياء تَنبُع الرغبة في تعلمها من داخله.

إن الرضيع يغير وضعيته مرتين في كل دقيقة أي 60 مرة كل نصف ساعة لذا فإن وضعه على الكرسي يمنعه من القيام بالكثير من الحركة – سانتو فيدير

خلاصة :

الأمر ليس صعبا, لا يتطلب منك إلا النظر للأمر بطريقة مختلفة, و نفض ما ظننت دائما أنه جيد

تذكر دائما أن الطفل لا يقوم بأي فعل هكذا دون غاية خفية, هو و هو في أتفه نشاطاته 9في نظرك8 إنما هو في عملية تعلم , لا يوجد شيء يفعله دون معنى هو مبرمج على هذا التعلم المستمر في كل حركاته و سكناته

اترك له فقط مساحته الكافية و سوف ترى نتائج مبهرة خلال سنوات قليلة

اترك تعليقا