“الأطفال غراس الحياة, قطوف الأمل و قرة العين, براعم الأمة, و زهور المستقبل و ثماره” هكذا استهل شيخنا الجليل الدكتور راتب النابلسي كتابه القيم “ أولادنا الورقة الرابحة الأولى” المجلد الأول. الكتاب الذي أغناه بالكثير من العبر و المواعظ الحكيمة في تربية الأبناء و قصص الصالحين السابقين التي تفيد في هذا الجانب و تفتح أعيننا على مجموعة من الجوانب المهملة.
و في هذا المقال إخترت إحدى عشر نقطة من بين كل المواضيع التي فصل فيها الشيخ في الكتاب, ليس تلخيصا لأني أجد المجلد أغنى من أن يلخص لكن اقتباسا لقليل من الحكم المهمة
1- لا بد من تربية إسلامية
الإنسان يتعلم تعلما ذاتيا في الأصل، لكن إن تركناه دون توجيه يتلقى الدروس من الزمن و التجارب فقد يصل الحقيقة و قد لا يصلها, و قد يصلها بعد فوات الأوان.
لذلك فإن التربية الإسلامية قائمة على تنشئة الأبناء على الحقائق و المبادئ الربانية. فالمساحة موجودة للتجارب و الممارسات الذاتية التي تلقن الإنسان الكثير من الدروس و العبر, لكن إن كانت مبنية على خبرات أثبتتها تجارب الأجيال السابقة فإن الأمر سيكون قائما على أرضية متينة. فما بالك إن كانت مبنية على الوحي من لدن خالق الإنسان.
إن أردت أن تربي ابنك تربية إسلامية فذلك يعني أنك تلقنه وفق منهج الخالق و تضمن له السلامة في شتى مناحي الحياة, و بتنفيذك أمر الله في أبناءك ستقطف ثمار ذلك برا و سعادة.
الأبناء هم دائما في تطور و نمو, إن لم يحضوا بوالد متسلح بأسس التربية الإسلامية عارف لآلياتها و لوازمها, و أم واعية متابعة, وسط مجتمع مفتقر لثقافة دينية, سنجدهم يتخبطون في اتجاهات عشوائية.
2- هل لابني من حق علي ؟
للولد حقوق على والديه لا بد من التذكير بها إذ كيف يمكننا الحديث عن تربية صحيحة في ظل حقوق مهضومة.
أول الحقوق كما هو معروف حسن اختيار الأب لأم أبنائه. و أقول أيضا حسن اختيار الأم لأبيهم.
ثم حسن اختيار الإسم, إسما راقيا يعتز به و لا يتأذى منه.
“إن أحب أسمائكم إلى الله تعالى عبد الله و عبد الرحمن” حديث نبوي في مستدرك الحاكم
و قد سمى رسول الله إسم بشير و هشام و مسلم و غيرها من الأسماء الحسنة. و لذا فلا بد من التحقق من معنى الإسم قبل العزم عليه.
و من حق أبنائنا علينا أن نعق عنهم, قال النبي صلى الله عليه و سلم “كل غلام مرتهن بعقيقته, تذبح عنه يوم السابع, و يحلق رأسه, و يسمى” أخرجه الترمذي و النسائي و أبو داوود عن سمرة.
و من أهم حقوق الإبن حسن تأديبه, و خير ما تؤدب به ولدك أن تعلمه آداب القرآن الكريم.
و قد ذكر سيدي راتب النابلسي أن من حق الإبن أيضا على أبيه أن يزوجه إذا بلغ, إذ لا يوجد عمل أعظم من تزويج الشباب المؤمنين في زمن كثرت فيه الفتن و الإنحرافات و كل شيء فيه يدعو للشهوة, إحصانا و إعفافا لهم, و ذلك من التعاون على إفشاء الخير في المجتمع و إضعاف السفاح.
3- التربية الإيمانية نوع من أنواع التربية
إن أكثر ما يتأثر به الطفل و يؤثر فيه هو كل ما يعيشه و يحيط به و يتعلمه خلال مراحله العمرية الأولى فإن استثمر الآباء في أبنائهم في هذه المراحل و اعتنوا بتعليمهم الأصول فإنهم سيختصرون الكثير من الجهد و سيستريحون و يريحون, فالجنة تبدأ من الدنيا.
و يقول شيخنا النابلسي, أسفي على آباء يعلمون أولادهم كل شيء إلا معرفة الله, يعلمه أدق التفاصيل في تناول الطعام على الموائد العامة, يعنفه إن أخطأ في أمر دنياه ..أما إذا ترك الصلاة فلا يرى في ذلك مشكلة.
التربية الإيمانية هي أن تربط ابنك بأصول الدين و فروعه, الإيمان بالله خالقا و موجودا و بأسمائه الحسنى و أنبيائه و رسله و القضاء و القدر خيره و شره و هذا ليس بالأمر اليسير بل يتطلب جهدا و وقتا و مجالس علم و وعظ و إرشاد.
الدين هو عقائد و عبادات و معاملات و أخلاق. و لا بد من متابعة هذه الكليات الأربع.
علم ابنك القرآن منذ سنين حياته الأولى, سيعقله فيما بعد و تكون قد اختصرت عليه جهدا ووقتا, فيتعلم منه الأدب و اللغة و يبلغ به المكانة.
و غير ذلك من الأمور الدينية المفصلة في الكتاب من حب النبي و تعليم الحلال و الحرام و الأمور التعبدية و العدل و المحافظة على الفطرة.
4- من أكمل الإيمان حسن الخلق
الخلق من الدين، بل إنه أعظم ما في الإيمان و الإسلام و إذا ذهب ذهب كل شيء. قال رسول الله عليه الصلاة و السلام: “إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم” أخرجه أبو داود و أحمد و الحاكم.
الإنسان قد يمتنع عن المعاصي و الشهوات خوفا بادئ الأمر، لكنه حين يرتقي بأخلاقه يمتنع عنها اشمئزازا، و هذه علامة طيبة. الدين خلق و فهم و ذوق و عطاء و تسامح و ما أجمل أن يربي الوالد ولده على هذه الخصال. فالطفل الأديب لا يقدر بثمن. ترى عنده الحياء و الكلام الموزون، و هذا لا يأتي من فراغ بل ملاحظة و محاسبة و اهتمام و عناية.
فتعليم الأدب و غرس الأخلاق يلزمه صبر و متابعة دؤوبة، و الأب الذي لا صبر عنده مشكلته التربوية كبيرة، تجده يربي بالعنف و الصراخ و الضرب ظانا أن هذا أعظم وقعا لكنه حقيقة لا يصل به إلى خير. فالمعلم معلم و المعنف معنف و لا يؤمر بالخير عن طريق الشر، و قد قيل في القديم: ” إذا أمرت بمعروف فليكن أمرك بمعروف، و إذا نهيت عن منكر فلا يكن نهيك منكرا”
المؤمن يتميز بالحرص في تربية أولاده يشقى بشقائهم و يسعد بانضباطهم فحاسب و دقق و اجلس و تحدث، و انتبه خاصة لكيفية التعامل مع الكذب و السرقة و السباب و الشتم و الميوعة و الانحلال، فهذه أمراض فتاكة.
5- صحة ابني مسؤولية في رقبتي
أكبر نعمة أنعم الله بها علينا بعد الهداية هي الصحة و العافية. و مسؤولية الآباء توجب عليهم الحفاظ على صحة أولادهم, و ذلك من خلال التنبه و التعرف على ما ينفعهم و يضرهم.
و تتنوع صور مسؤوليات الوالدين فيما يخص صحة الأبناء. الحرص على اتباع القواعد الصحية في المسكن مما يراعي السلامة حتى لا تحدث حوادث لا تحمد عقباها. ثم اتباع القواعد الصحية في الغذاء و توفير المفيد منه الذي يضمن نموا سليما و الإبتعاد عن الأطعمة المضرة التي يقتنيها الأهل بدافع أنها لذيذة و تسعد الأولاد. الجيد الذي يجعل الجسم ينمو نموا سليما. بل و تعليمهم ضوابط تناولها كعدم الإسراف و الغسل قبل الأكل و تناول الفاكهة قبل الطعام لا بعده و ما إلى ذلك.
ثم الحرص على نوم الطفل الجيد الكافي, و التحرز من الأمراض المعدية, و الأخطار المحيطة كمواد التنظيف, و الحث على الرياضة و وقايته من التدخين سواء المباشر أو غير المباشر و كل ما يهدم الصحة.
6- اقرأ باسم ربك الذي خلق
ميز الله الإنسان بالعقل و الفكر, و دعاه أن يستعمل هذه القوة الإدراكية فكانت أول آية في الكتاب الحكيم “إقرأ باسم ربك الذي خلق” (العلق) و قصد بالقراءة التعلم, حيث أن أعظم شيء يمكن للإنسان أن يتمتع به هو العلم. فيه تكمن قوته و يسود به و تفتح له به الأبواب.
“إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم, و إذا أردت الآخرة فعليك بالعلم, و إذا أردتهما معا فعليك بالعلم“- الشافعي
المربي الواعي يوجه أبناءه في أول حياتهم إلى طريق العلم لترسخ فيه أقدامهم في الكبر و خاصة العلم الشرعي. فالعلم يهذب الولد و يؤثر على طبعه و يعلي قدره و يعلو شأن الأمة بعلمه إذا كان على طريق الإسلام.
قال رسول الله ” من سلك طريقا يطلب به علما سهل الله له طريقا إلى الجنة”
7- من الخطأ ألا تنتظر الخطأ
حق الخطأ هو حق شرعي، و خطأ ابنك ليس استثناءا . و من الخطأ أن ينتظر الأب من إبنه السلامة من الخطأ, و يحبسه عن النشاطات التي قد تجر معها أخطاءا, و الأحق هو ترك فسحة للطفل ليعمل و يخطأ و يتعلم من خطإه مع مراقبته بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. و هكذا يدفعه لتعلم دروس الحياة و التدرب على تحمل المسؤولية.
8- إبنك كائن اجتماعي
الإنسان كائن اجتماعي, يحتاج في حياته إلى الجماعة باستمرار, يشترك معها في الكثير من الأشياء, مسخر لها و مسخرة له. تلك سنة الله
الإيمان يدعو لمخالطة الناس, و الإحسان إليهم و الصبر على أذاهم و نهى عن العزلة و التقوقع.
و ما دام كذلك, فيجب تمتين علاقته بالمجتمع, بحسن الخلق و المبادرات الطيبة مما يرقيه عند ربه. النشاط الاجتماعي عند المؤمن يقوم على أسس نظيفة بدون تجاوز للحدود و لا تطاول على الحقوق.
9- عزز صفاته الاجتماعية
حتى يرقى إبنك في علاقاته الاجتماعية لا بد من تعزيز العديد من الصفات، تجعله تابعا لمنهج الله عز و جل. أولها أن يكون في معرفة هذا المنهج من خلال الكتاب و السنة, الذي يورثه التقوى و يعلمه حدود الله. و التقوى أساس كل شيء.
ثم أن يستشعر المسلم أخوته الإسلامية مع باقي المسلمين, و ما يترتب عن ذلك,و من لم يستشعر هذه الأخوة ففي إيمانه خلل. قال تعالى ” إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم”الحجرات
ألا و الرحمة, المسلم يرحم الناس بقدر ما في قلبه من الإيمان. قال رسول الله عليه خير صلاة و سلام ” الراحمون يرحمهم الرحمان”
و الإيثار من الصفات المهمة أيضا التي يجب أن نعلمها لأبنائنا فهي من صفات المؤمنين. فإن قام المربي بتربية أبنائه على هذه الخصلة, فقد رباهم على الخير و الإيمان و المحبة و المودة.
و صفات أخرى كالعفو و الجرأة و الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر..
10- عرفه بحقوق الغير
من أسس التربية الاجتماعية تعليم الإبن حقوق الناس عليه عامة, و على رأسها حقوق تعتبر على رأس حقوق العلاقات.
أولها حق الوالدين, فهذا شيء يعلم و لا يأتي بالفطرة, و لا معصية بدون تكليف, أي أنك إن لم تعلمه كيف يعاملك و يحترمك فلا تحاسبه على إساءته, و كل ذلك باللين فلا احترام يكتسب بالتعنيف.
و حق الأرحام أيضا من الحقوق المهمة, فهي من أبرز تعاليم الدين, و الواجب تربية الأبناء على رعايتها, فالأسرة المتماسكة المتآزرة تعيش سعادة جنة الدنيا قبل الآخرة فقد اشتق الله اسم الرحم من اسمه الرحمن و أمر بالبدء بهم في كل الخيرات و العطايا.
و لا ننسى حق الجار لقدسيته و حق المعلم لفضله العظيم و حق الرفيق و حق الكبير على الصغير.
11- الأدب قبل العلم
عن الإمام مالك أن أمه كانت تقول له ” اذهب إلى ربيعة فتعلم من أدبه قبل علمه”
و قال بعضهم لابنه ” يا بني, لأن تتعلم بابا من الأدب, أحب إلي من أن تتعلم سبعين بابا من أبواب العلم”
و من آداب الأكل و الشرب التي ذكرها لنا شيخنا الدكتور راتب في المجلد الثاني ما قمت باختصاره في المقال : 14 أدبا من آداب الأكل و الشرب عن الدكتور راتب النابلسي
خلاصة
كانت هذه بعض الحكم الجميلة من المجلد الأول ل “أولادنا الورقة الرابحة الأولى”.
و في حالة كنت ترغب في اقتناء المجلدين أقترح عليك الرابط التالي أولادنا الورقة الرابحة الأولى من مكتبة جملون حيث سيكون بإمكانك الدفع عن بعد و ستتوصل بهما مباشرة في منزلك سواء في المغرب أو أي بلد آخر.