تفكرين في عملية فطام صغيرك و تتساءلين كيف يمكن أن يمر الأمر بسلام و دون معاناة ؟
بما أنك هنا فإنه حتما الوقت المناسب لكي تتعرفي على مجموعة من التقنيات و المعلومات التي سوف توضح الصورة أمامك و تبين لك ما يحدث أثناء هذه العملية.
سمعت مسبقا (أو ربما جربت أيضا) عن احتقان الثدي عند الفطام و ارتفاع الحرارة ومعاناة الطفل النفسية و مقاومته و عدم قدرته على النوم و غيرها من الأمور التي ترافق عملية الفطام و تجعلها مرحلة غير مريحة للأسرة عامة.
هل هناك حل و طريقة لتفادي هذه الأمور كلها ؟
طبعا يوجد, بل إن كل هذه المشاكل ما هي إلا نتيجة للقيام بفطام الطفل بطريقة خاطئة, و اليوم سوف نتعرف على طريقة مناسبة و مجموعة من الأمور الأخرى في هذا المقال.
الرضاعة ليست مجرد طعام, و الفطام ليس مجرد توقف عن إعطاء هذا الطعام
كما سبق و شرحت في المقال السابق “كل ما يجب أن تعرفيه عن الرضاعة“، فإن هذه الأخيرة ليست مجرد احتياج غذائي فحسب، هي مصدر للراحة و التخلص من القلق و التوتر الذي يعيشه الطفل خلال اليوم, و أيضا هو المكان الذي يسترجع فيه إحساسه بالأمان و الطمأنينة, بالإضافة إلى كل الجوانب الصحية الأخرى.
لهذا فإن الفطام أيضا ليس مجرد توقف عن تغذية الطفل بحليب أمه. بل علينا أن نأخذ كل هذه الأمور بعين الإعتبار حتى لا نؤدي الطفل نفسيا و روحيا.
هل من المهم أن أتعلم كيف تكون عملية الفطام ؟
قد تتساءلين : و هل يحتاج الأمر لكل هذه الجلبة ؟ و لماذا علي أن أتعلم كيف أفطم طفلي ألم تقم النساء بذلك منذ قرون و في كل البقاع بنفس الطريقة, و استطاع الأطفال كلهم بعد ذلك أن ينفصلوا و ينسوا الأمر بعد مدة وجيزة ؟
نعم بالتأكيد لا تقف البشرية عند هذا و لا تتوقف حياة طفل بفطام فجائي، الكل يكمل حياته بكل بساطة و تمر المرحلة كغيرها من المراحل.
لكن الذي أتكلم عنه هنا, بعد كل ما أصبحنا نَعلمُه عن الجانب النفسي للإنسان و تطور أبحاث و علم النفس, هو طريقة فطام صحية تراعي و تحترم كل الجوانب المتعلقة بالطفل, و تجعله يخرج من التجربة محافظا على كل الحصانة النفسية التي اكتسبها, و تاركا وراءه ذكرى جميلة لأفضل تجربة في الحياة. و تحترم أيضا مشاعر الأم المختلطة و تعفيها من الإحساس بالذنب و الشفقة على صغيرها و تجنبها الأعراض الجانبية الجسدية التي تحدث لها.
السن المناسب للفطام
تحث منظمة الصحة العالمية على إرضاع الطفل رضاعة طبيعية حصرية بدون أي غذاء آخر حتى الستة أشهر, ثم بعد أن يتم إدخال الطعام توصي المنظمة بمواصلة الرضاعة الطبيعية إلى سن السنتين على الأقل.
في بعض الأحيان تجد الأم نفسها مضطرة لأن تقوم بفطام طفلها قبل الستنين ,غالبا بسبب مرض و أدوية يجب أن تتناولها, بالرغم من أن لائحة الأدوية الغير منصوح بها للمرأة المرضع تبقى قليلة. لكن الذي لا تعرفه معظم الأمهات هو أنهن لسن مضطرات لأن يفطمن أطفالهم تماما من أجل ذلك, بل يمكن للأم أن توقف الرضاعة فقط خلال المدة التي ستتناول فيها الدواء ثم تستأنف عملية الرضاعة فيما بعد و هكذا لن يتم حرمان الطفل من حليب أمه قبل أن يكمل السنتين, و هنا ننصحها بأن تقوم خلال فترة الإستشفاء بعملية استخراج الحليب من ثدييها حتى لا يحتقنان من جهة, و أيضا حتى لا يتوقف الجسم عن إنتاج الحليب.
كما أن الأم قد تجد نفسها أيضا مضطرة للفطام قبل السنتين إذا علمت أنها حامل, مع أن الأمر ليس ضروريا علميا كما شرحت في مقال ” أكثر 5 أسئلة شائعة بين الأمهات المرضعات” إلا إذا كانت قدراتها الصحية لا تسمح.
و في الحقيقة عمر السنتين هو ليس الحد الأقصى للرضاعة الطبيعية الذي لا يجب أن تتعداه, لقد كانت الأمهات على مر الأزمنة ترضع لمدة أطول من ذلك. علميا الحليب يبقى رئيسيا في تغذية الطفل و تطوره حتى السنتين و بعد ذلك هو لا يبقى أساسيا لكنه يظل مفيدا مثل غيره من الأطعمة.
أما شرعا فالأمر غير مكروه كما يعتقد الكثيرون، لقد إختلف العلماء في إن كان الرَّضاع (أي إرضاع المرأة لغير إبنها) بعد الحولين يحرم ما يحرمه الرَّضاع خلال الحولين أم لا, لكنهم لم يختلفوا على جواز إرضاع المرأة لطفلها أكثر من سنتين, و قد تبث أن كانت النساء في عهد الرسول عليه الصلاة و السلام و عهد الصحابة يواصلن الرضاعة حتى بعد عمر السنتين.***
قواعد الفطام الصحيح للرضيع
التدرج هو السر في نجاح الكثير من الأمور في الحياة، بما فيها الفطام من تجربة الرضاعة الفريدة.
ليس من المنطقي أن يستيقظ الطفل في يوم من الأيام ليجد أن أمه بدون سابق إنذار قررت أن تمتنع عن إرضاعه و أن تمنع اتصاله بالثدي، كيف و لماذا و إلى متى؟ لا يدري. ثم إن عليه أن يتعامل مع كل المرات التي سيرغب فيها بالرضاعة من أجل إرواء عطشه أو سد جوع أو تخفيف ألم أو احتياج للراحة و إحساس بالقلق، لكنه لن يعرف ماذا سيفعل و لم يطور طريقة أخرى !!
إحساس صعب أليس كذلك ؟ لكنه لن يكون بنفس الصورة إن عملت الأم على القيام بالعملية بطريقة بطيئة و متدرجة, حيث تقوم بإنقاص رضعة واحدة في كل فترة من أسبوع أو عدة أسابيع, أو عدة أيام إن لم تتوفر على وقت واسع, أما إذا كانت ستستمر في الرضاعة حتى العامين فمن المحبذ أن تبدأ في التدرج في إنقاص عدد الرضعات بضع أشهر من قبل, حتى تجد أن الطفل قبيل العامين لا يأخذ الثدي إلا بضع مرات ثم تستمر إلى الثلاث مرات ثم المرتين ثم المرة الواحدة ثم اللاشيء.
المضي في عملية الفطام بطريقة متدرجة له عدة جوانب إيجابية حيث يعطي للطفل المناسبة للتأقلم مع الوضع و يجعله يحافظ على توازنه النفسي و يجنبه مجموعة من الإحباطات. و هو مفيد للأم أيضا حيث أن جسمها سيبدأ شيئا فشيئا في إنقاص الكمية التي يجب عليه إنتاجها بحيث ستجد نفسها في آخر مرحلة من الفطام غير مضطرة لمواجهة أي عرض من الأعراض الجانبية الناتجة عن التوقف الفجائي للرضاعة. بالإضافة لهذا كله فإن إنفصال الطرفين عن بعضهما و انفصالهما عن هذا الرابط الذي يتكون منذ الولادة سيكون أيسر نفسيا.
من الممكن أيضا الإستعانة ببعض التقنيات مثل :
– تجنب الجلوس في المكان الذي اعتاد الطفل أن يطلب الثدي حين يرى أمه فيه
– تجنب إقتراح الثدي قبل أن يطلبه الطفل من نفسه
– مرافقة شخص آخر له كالأب عند موعد رضعة معينة تريد الأم مسحها مثل رضعة الصباح
– تقديم وجبة خفيفة محببة للطفل كفاكهة قبيل موعد الرضعة التي تريد الأم مسحها
– إقتراح نشاط مثير للطفل مثل الصباغة أو نزهة أو غيرها لإلهاء الطفل عن موعد الرضعة
هل يجب أن أخبر الطفل بما يحدث أم أنه لن يفهمني ؟!
بالطبع لا بد من التحدث إليه, و لا بد أن يوضع في الصورة, الطفل منذ عمر السنة يستطيع أن يفهم و يستوعب العديد من الأمور أكثر مما نظن. لا بد من شرح الأمر مع تبسيط الفكرة و تقديمها بطريقة واضحة قدر الإمكان حتى يفهم ما يحدث : لا توجد رضاعة في الصباح, الرضاعة بعد الأكل, سنرضع قبل النوم.. و هكذا من المؤشرات التي تجعله مستوعبا إلى متى الرضاعة متوقفة و متى سيمكنه أخذ الثدي مثلا.
بالإضافة إلى هذا يجب الإنتباه لبعض الفترات الحساسة التي قد يمر منها الطفل خلال مراحل تطوره و التي يجب تجنب أي تغيير مواز لها في نظامه مثل فترات التسنين و فترات طفرات النمو الدماغية أو عند المرض.
و أيضا من المهم تجنب فترات السفر أو عدم التواجد في المكان المعتاد الذي يعيش فيه الطفل أو فترات تغيير المنزل أو الإلتحاق بحضانة أو أي تغيير آخر يطرأ في حياة الطفل و العائلة.
الفطام من رضاعة الليل أولا
حسب رأيي فإنه من الجيد أن تقوم الأم في أول مرحلة بمسح رضعات الليل أولا، إذ ليس من المنطقي أن تبدأ بمسح رضعة من رضعات النهار و الطفل مازال يستيقظ ليلا ليرضع، بالطبع هنا نتكلم عن طفل تجاوز السنة.
و من أجل التدرج في الفطام الليلي أعرف طريقة مشهورة لطبيب أطفال أمريكي تسمى طريقة جوردون على إسمه جاي جوردون (Dr.Jay Gordon) حيث يتم فطم الطفل من الرضاعة الليلية على عشر أيام تقريبا, لكن قد تختلف المدة طبعا من طفل لآخر.
ما هي طريقة جوردون ؟
قبل الشروع في هذه الطريقة يجب أن تتأكد الأم أنها مستعدة و بنفسية جيدة, و مستعدة لقضاء بضع الليال الصعبة و أنها ستتمتع بهدوئ كامل و طول بال.
و أيضا يجب أن تحاول التحدث إلى الطفل بخصوص الأمر و تشرح له أنه خلال النوم أو خلال الظلام … لا توجد رضاعة.
الثلاث ليال الأولى :
تحدد الأم وقتا قارا للنوم, فإن كان هذا الوقت هو العاشرة ليلا, فإنها لن ترضع الطفل بعد هذه الساعة لكي ينام, يمكنها أن تفعل ذلك قبل هذه الساعة لكن ليس بعدها.
ثم عندما يستيقظ الطفل خلال الليل, تأخذه بين ذراعيها, تحضنه تغني له تداعب شعره, تفعل أي شيء من الممكن أن يساعده على النوم, و يمكنها أن تعطيه الثدي لكن يجب أن تتأكد أنه لن ينام عليه, أي فقط لتهدئته قليلا ثم يجب أن ينام بأي طريقة أخرى, و في كل مرة يستيقظ لا يجب أن يأخذ الثدي أكثر من مرة واحدة.
و لا يجب تركه وحده, فلتطمئنه الأم و تردد عليه أنها بجانبه و لن تتركه.
الثلاث ليال الموالية :
تستمر الأم على إيقاف الرضاعة عند نفس الساعة التي حددتها في المساء, لكن هذه المرة عندما يستيقظ بالليل تحتضنه الأم و تطمئنه لكنها لا ترضعه, ثم من المهم أن ترجعه في سريره قبل أن ينام حتى يبدأ في التعود على محاولة النوم بإتصال أقل مع الأم. في هذه المرحلة قد يبكي الطفل لمدة قصيرة كما يمكن أن يستغرق الأمر ساعات لأنه لا يعرف بعد كيف ينام من نفسه, لا بد من البقاء بجانبه و محاولة طمأنته.
في الليلة الأخيرة من هذه المرحلة سيبدأ الطفل في التعود على العودة للنوم دون رضاعة بلمس يد أمه و سماع صوتها.
الأربع ليال الأخيرة :
هذه المرة لا يحمل الطفل من سريره, فقط نستمر بلمسه و التكلم معه و الغناء له. في نهاية المرحلة سيصبح الطفل قادرا على العودة للنوم دون أن يرضع و دون أن يحمل.
ممارسات يجب تجنبها تماما
الفطام الفجائي
إن العادة الأكثر شيوعا على الإطلاق من أجل فطام الطفل هي المرور من مرحلة رضاعة كاملة طيلة اليوم إلى التوقف تماما ذات يوم عن إعطاء الثدي للطفل, و هذا كما ذكرت أمر مؤد نفسيا سواء للطفل أو للأم. بالإضافة إلى الأعراض الجسدية التي تلحق بالأم.
تنفير الطفل من الثدي
في كثير من الثقافات عبر العالم تقوم الأم بوضع مادة منفرة على الثدي حتى إذا تذوقها الطفل لم يستطع إكمال الرضاعة, أو ربما يتم طلي مادة تخيف الرضيع من ثدي أمه.
إختلفت المواد المستعملة من قطران و فحم و فلفل حار و حناء و غيرها..
و هو أمر مؤسف للغاية أن يتم إنهاء هذه العلاقة الجميلة مع الرضاعة بذكرى سيئة و مؤدية, في الوقت الذي يجب أن يُطبع عند الطفل أثر جيد عن العلاقة التي كانت تشبع كل احتياجاته الجسدية و الروحية.
إبعاد الطفل عن الأم
و في كثير من الأحيان يتم إبعاد الطفل عن الأم طيلة اليوم عند العائلة أو في نزهة حتى ينسى أمه و الثدي و يعود متعبا، و هذا في الحقيقة سيء جدا إذ أنه يفتقد الثدي و يفتقد الأم أيضا التي سيحس على الأقل بالاطمئنان و التخفيف معها و في حضنها. فهي الشخص المتعلق به حسب نظرية التعلق المشروحة في المقال “ماذا تعرف عن نظرية ارتباط الطفل بمن يرعاه “, و ابتعاده عنها سيصعب عليه أكثر تجاوز الأمر نفسيا.
خلاصة :
بعد هذه المدة التي قمت بها عزيزتي الأم بإرضاع الطفل بكل حب و عطاء و صبر و مثابرة. و بعدما تعرفت على قوانين الفطام الإيجابي, يمكنك الآن إنهاء التجربة بخطى واثقة و أنت تعلمين أنك لن تتركي وراءك إلا بصمة حب و أمان في قلب صغيرك. و تذكري قبل كل شيء أن أهم شيء هو أن تستمعي لقلبك .
*** : مصدر الفتوى هنا